يتعامل مصرف لبنان مع «المنصة الإلكترونية لعمليات الصرافة» («Sayrafa») بما يشبه التعامل مع منصة الـ 3900 ليرة. عندما أنشئت هذه الأخيرة، كان الهدف التعويض على المودعين الذين مُنعوا من سحب ودائعهم بالعملة الأجنبية وصاروا مضطرّين لسحبها على سعر 1500 ليرة. لذلك، على سبيل المثال، عندما حدد سعر الدولار على المنصة بـ 3000 ليرة، لم يكن السعر الفعلي للدولار يتجاوز 3500 ليرة. لكن ما حصل أن سعر السوق استمر بالارتفاع، فيما لم يزد سعر المنصة على 3900 ليرة. التفاوت الكبير بين السعرين، شكّل عملية «قص شعر» للودائع وصلت حالياً إلى 75 في المئة، لكن ذلك لم يغيّر في موقف المجلس المركزي للمصرف، عندما مدّد العمل بهذه المنصة، على السعر نفسه، لمدة سنة أخرى.منذ بدء الحديث بالمنصة الجديدة، وعد سلامة بأنها ستساهم في خفض سعر الدولار إلى ما دون 9 آلاف ليرة، بعدما تخطى حينها الدولار العشرة آلاف ليرة، وتخوّفت السلطة السياسية من انفلات الأوضاع الأمنية، إثر تحركات اعتراضية شهدتها مناطق عدة.
خفض سعر الدولار كان يفترض أن يكون نتيجة تلقائية لعملية تنظيم عمليات البيع. لذلك، عندما بشّر رئيس الجمهورية بقرار سلامة إنشاء المنصة، أعلن أنها ستسمح بـ«تسجيل كلّ العمليات وتُصبح هي المرجع الأساسي للسعر الحقيقي للسوق». كان الهدف حينها ضبط عمليات الصرافة، وبالتالي الحد من المضاربات التي تساهم في رفع الأسعار من دون أي مبرر علمي. لذلك، قرر سلامة السماح للمصارف بإجراء عمليات الصرافة أسوة بالصرّافين الشرعيين وتسجيل العمليات بالسعر الحقيقي على المنصة، على أن تُتابع لجنة الرقابة على المصارف حُسن سير العمل. أما مصرف لبنان، فحصر دوره بـ«التدخل لامتصاص السيولة كلّما دعت الحاجة حتى يتم ضبط سعر الصرف». وعليه، لم يكن المصرف يطرح نفسه كشريك في عمليات البيع، بل مساهماً في ضبطها لا أكثر.
الغاية كانت إذاً إنهاء حال الغموض التي تلفّ أسباب ارتفاع الدولار وانخفاضه بشكل عشوائي ومشبوه. بالتوازي مع خطوة سلامة المنتظرة، سعت السلطة إلى وقف التطبيقات المتحكمة بالأسعار، والتي صارت أغلب عمليات الصرافة تتم على السعر الذي تسجله، من دون أن تعرف الجهة التي تتحكم بها. باختصار، اتفق على أنه إذا كان ثمة جزء كبير من سعر الدولار مبرراً اقتصادياً بالنظر إلى الجمود الاقتصادي وجمود حركة الأموال إلى الداخل، فإن النسبة الباقية من السعر غير مبررة، وتتحكم بها هذه التطبيقات، التي لا تتردد في رفع السعر 1000 ليرة في ليلة واحدة أو في نهاية الأسبوع، رغم أن الطلب على الدولار يكون في هذه الأوقات شبه معدوم.
المنصّة الجديدة تبدأ بهيركات بنسبة 20 في المئة


كل ذلك يشير إلى أن إعلان رئاسة الجمهورية عن «إنجاز» المنصة، إنما هدف أولاً إلى تعزيز الشفافية في عمليات البيع والشراء للدولار. فحصر ربط الصرافين الشرعيين والمصارف بالمنصة الإلكترونية، وتسجيل عمليات الصرافة، كان سيؤدي تلقائياً إلى تنظيم عمليات الصرافة، من خلال تسجيل أسماء من يطلبون تحويل العملة، ومراقبة أي حركة مشبوهة ينفذها المتلاعبون في السوق. كذلك، كان يفترض بالمنصة أن تعمل وفق دوام رسمي (بين الثامنة صباحاً والرابعة بعد الظهر على سبيل المثال)، بما ينهي ظاهرة الأسعار الليلية والرسائل النصية التي يتم تناقلها وتؤدي إلى رفع الأسعار.
لم يحصل شيء من ذلك. ما حصل أن سلامة ذهب إلى إطلاق منصة جديدة، هي عبارة عن سعر جديد للدولار، يضاف إلى الأسعار المتداولة (1500 و3900 و12000 وسعر السوق). ففي تعميم صدر الأسبوع الماضي، أعلن المصرف المركزي أنه سيبيع البنوك والصرافين الدولار بسعر 12 ألف ليرة، على أن تبيعه للجمهور بهامش ربع واحد في المئة، أي بسعر 12 ألفاً و120 ليرة. عبر هذا التعميم، انتفت الغاية الفعلية من إنشاء المنصة. إذ لم يكن مقرراً أن يحدد مصرف لبنان السعر الفعلي للدولار، طالما أنه غير قادر على تلبية حاجة السوق، بل كان المطلوب أن يستمر تحديد السعر وفق منطق العرض والطلب، لكن بشكل منظّم يسمح بمراقبة كل العمليات، علماً بأنه ليس واضحاً بعد لماذا لم يطلق المصرف المركزي تطبيق «صيرفة» الذي يفترض أن يكون المرجع لعمليات الصرافة، بما يؤدي إلى انتهاء السوق السوداء تلقائياً، وخاصة أن كل الحجج المساقة، والتي تشير إلى صعوبات تقنية في عمليات الربط لا تبدو منطقية بحسب مصادر مطّلعة، بالنظر إلى سهولة الخطوة.
وتستغرب المصادر كيف تغيّر الهدف من إنشاء المنصة، وكأنّ ثمة من يتعمّد تسليم سوق القطع للفوضى ويصرّ على استمرار حالة اللاشفافية القائمة.
بالنتيجة، مع التعميم الأخير الرقم 158 المتعلق بتحديد عمليات السحب بالدولار، والذي يشير إلى تحرير 400 دولار شهرياً على سعر المنصة الجديدة، فإنها تكون قد تحوّلت رسمياً إلى منصة شبيهة بمنصة 3900، مع فارق يتعلّق بالسعر فقط، من دون أن يعني ذلك إنصاف المودعين أو وقف الهيركات على ودائعهم. فبمجرّد إصدار التعميم، سجّل سعر الدولار الفعلي ارتفاعات كبيرة، ووصل إلى حدود 15 ألف ليرة، بما يسجل 20 في المئة خسائر على المودعين، يتوقّع أن تتضاعف إلى حين بدء العمل بالتعميم الجديد في بداية تموز المقبل.