ما لم تستطع الحرب أن تفعله، يفعله اليوم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. إذ يصرّ على إذلال الناس في صحتهم، بالامتناع عن «تحرير» أدويتهم من مستودعات المستوردين والموزعين. فمنذ أسبوعين، لم تفلح الاتصالات التي تجريها وزارة الصحة ولجنة الصحة النيابية، في حثّ مصرف لبنان على أن يشمل الدعم الفواتير التي أتت قبل آلية الرقابة المسبقة. وعود بالصرف ليلاً، لا تلبث أن تمحى مع ضوء النهار، لتزيد أزمة الدواء تعقيداً مع انقطاع معظم أدوية الأمراض المستعصية والمزمنة.فقدان أنواعٍ كثيرة وأساسية من أدوية الأمراض المستعصية والسرطانية والمزمنة يجعل المرضى في المستشفيات رهائن للمستوردين والمستشفيات أيضاً. وفي آخر البدع، بدأت المستشفيات تطبيق سياسة جديدة من التعامل مع المرضى. إذ يعمد بعضها إلى تخصيص «كوتا» محددة لعدد مرضى الجهات الضامنة، تخضع لطبيعة كل مستشفى والعلاقة بينه وبين الجهات الضامنة. صحيح أن الأزمة المالية واستغلال مستوردي المستلزمات الطبية والأدوية للوضع أصابت المستشفيات، لكن أن تصل الأمور إلى حد تحديد من له الحق بتلقي العلاج ومن ليس له الحق بذلك، فتلك الكارثة بعينها.
ماذا بعد؟ «الكارثة»، يقول رئيس لجنة الصحة النيابية، عاصم عراجي، مشيراً إلى أن لبنان اليوم «بلغ مرحلة صعبة جداً على المستوى الصحي، حيث يفقد السوق بشكل يومي الأدوية والمستلزمات الطبية». واعتبر أن ما يحصل هو نتيجة سببين أساسيين، أولهما رفض الشركات المستوردة الإفراج عن الأدوية قبل تحصيل أموالها، وثانيهما تشكيك مصرف لبنان بالفواتير المقدمة من هذه الشركات، انطلاقاً من أن المبالغ التي صرفت خلال الأشهر الخمسة الأخيرة وصلت إلى 900 مليون دولار، في حين يستهلك لبنان سنوياً حوالى مليار ومئة مليون دولار كدعم للدواء المستورد.
أمس، كانت آخر الدعوات العلنية التي أطلقها وزير الصحة، حمد حسن، إلى مصرف لبنان لـ«تحمل المسؤولية تجاه المواطن»، ودفع ما يتوجب لإخراج الأدوية التي تغطي 70% من حاجة السوق من المستودعات. وأعاد التذكير بأن قيمة هذه الأدوية هي 212 مليون دولار، منها 60% أدوية أساسية لا يمكن الاستغناء عنها. فيما قالت مصادر لجنة الصحة النيابية إن ما يجري تداوله في الكواليس لا يطمئن لناحية «تسريب أن المصرف لا يستطيع تأمين دعم يفوق 10 أو 20 مليون دولار شهرياً».
إلى ذلك، وفي سياق «تنظيم» قطاع الأدوية والحفاظ على الدعم المطلوب للأدوية الأساسية، أصدر حسن قراراً لتنظيم استيراد الأدوية إلى لبنان، مقسّماً الأدوية المستوردة إلى قسمين أساسيين: الأول يضم أدوية الأمراض المستعصية واللقاحات والبنج والحليب للرضّع وأدوية الأمراض العقلية والنفسية «والتي تستمر دائرة الاستيراد والتصدير بالتوقيع على فواتيرها، كما أدوية المخدرات والمؤثرات العقلية التي تستمر دائرة المخدرات بالتوقيع على طلباتها». أما أدوية القسم الثاني، فقد نص القرار على أن يخضع استيرادها لشروط محددة، وعلّق «موقتاً استيراد أي دواء يوجد له مثيلان مصنّعان محلياً، والأولوية لاستيراد الأدوية الجنيسيّة».