أقرّت لجنة المال النيابية، أمس، اقتراح قانون الـ«كابيتال كونترول». لكن ذلك لن يُغيّر في مشهد المقايضة التي نفّذها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بالتعاون مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وأدت إلى إعلان مصرف لبنان إصدار تعميم يسمح للمودعين بالحصول على القليل من أموالهم نقداً، مقابل عدم السير بقانون يقيّد حركته وينهي استنسابيته.الإشارة الأولى لرفض سلامة وضع أي تشريع ينهي سيطرته المطلقة على القطاع النقدي بدأت منذ أشهر. فهو عندما دعي إلى اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة المال لدرس الاقتراح، لم يوفد أياً من نوابه لتمثيل المصرف على سبيل المثال، بل كلّف مدير الشؤون القانونية في المصرف بيار كنعان بذلك. والأخير معني بالشق القانوني، ولم يكن قادراً على تقديم أي معلومات مالية كانت تطلبها اللجنة تباعاً. وبقي الأمر على هذا المنوال رغم الطلبات الرسمية التي وجهتها اللجنة إلى المصرف.
في المقابل، أصرّ سلامة على السير بشكل متواز بمشروع ينفّذه هو من دون أي وصاية من أحد، والأهم من دون إلزامه بأي إجراءات نهائية يفرضها إقرار قانون يُقيّد السحوبات والتحويلات، أو يلزم المصارف بالتنفيذ تحت طائلة إجراءات عقابية قد تصل إلى حد وقف المصرف عن العمل.
عملياً، بدأ سلامة إجراءات «الرد» على القانون بالإعلان عن تحضير تعميم يعيد السماح للمودعين بالحصول على بعض أموالهم. في المرة الأولى، أعلن أنه سيصار إلى دفع ٥٠ ألف دولار مناصفة بين الدولار النقدي والليرة على سعر منصة صيرفة، لكنه في بيانه الأخير خفض المبلغ إلى ٨٨٠٠ دولار، يحصل عليها المودعون لمدة سنة واحدة فقط.
بالتوازي، كانت كتلة التنمية والتحرير تعدّ العدّة للتبرّؤ من القانون. الانعطافة الأولى كانت في البيان الذي أصدره النائب أنور الخليل، واعتبر فيه القانون بمثابة سرقة العصر. لم يُعرف حينها ما إذا كان موقف الخليل شخصياَ ويعبّر عن رأي المصارف أو عن رأي كتلته. لكن الإشارة الثانية التي أتت هذه المرة من النائب غازي زعيتر أكدت أن الانعطافة جدية. فقد أشار زعيتر إلى أن الكتلة تؤيد موقف الخليل، رغم تأكيده، في الوقت نفسه، أن الكتلة لا تعارض القانون.
حضور النائب علي حسن خليل في جلسة أمس لم يخرج عن هذا السياق. أراد أن يُبعد تهمة العرقلة عن فريقه السياسي، متهماً الإعلام بتصوير الأمر بمنطق المؤامرة، ليؤكد أن «موقفنا واضح كما كان على الدوام وهو الإسراع في إصدار هذا القانون». لكن ذلك لم يكن كافياً حتى بالنسبة إلى نواب في اللجنة، لإقناعهم بأن بري سيسهّل المهمة، علماً بأن مصادر نيابية لا تزال تراهن على أن الضغط الذي حصل، يصعّب على مختلف الكتل معارضة القانون علناً. ولذلك، فإذا أحسن إدارة النقاشات في المرحلة المقبلة قد يمرّ القانون، حتى لو عُدّلت بعض أحكامه. لكن ما يضعف هذا الاحتمال أن أغلب الذين أيّدوا إقراره غير مستعدين لخوض معركة من أجله. حتى أعضاء اللجنة الفرعية الذين بذلوا مجهوداً للوصول إلى الصيغة النهائية، في ظل شح المعلومات المالية وتضاربها، صار همّهم في النهاية رمي هذا الحمل عن كاهلهم. أغلبهم راضٍ عما أنجز، لكن أكثر من ذلك لن يكون بإمكانهم فعل شيء، فهم ليسوا المجلس. وهذا ما أشار إليه رئيس اللجنة إبراهيم كنعان بقوله «إن أي رئيس لجنة نيابية ليس مجلس النواب لكي يطلب منه كل شيء، وهو ليس الهيئة العامة، وليس حتى اللجنة التي يرأس»، ليعلن بعد ذلك: «سأرفض السم الذي غالباً ما يقدم على طبق من فضة وسأتمسّك بالحق الذي يؤمّن العدالة والمساواة».
التحويلات السنوية بين ٢٥ ألف دولار و٥٠ ألفاً


وإذا كان ذلك يوحي بأن حزب رياض سلامة ستكون له الكلمة الفصل في النهاية، فإن اتضاح الصورة سيكون مرتبطاً بحصول اللجنة على المعلومات التي كانت قد طلبتها من سلامة. لكن كنعان أشار أمس إلى أن عدم تسليم هذه المعلومات لا يُفترض أن يُشكّل عائقاً أمام السير بالقانون، وخصوصاً أن السقوف المالية الموضوعة تتضمن هوامش معقولة.
بعيداً عن تعاون سلامة، فإن مؤشرات العرقلة قد تظهر في كيفية التعامل مع القانون. فبعد لجنة المال يُفترض أن تبدأ لجنة الإدارة والعدل بمناقشته، علماً بأن وتيرة عمل اللجنة، ومن ثم وتيرة عمل اللجان المشتركة، التي يفترض أن ينتقل الاقتراح إليها بعد إنجازه في لجنة الإدارة والعدل، يمكن إما أن تطيل أمد النقاش وصولاً إلى قتل فرص إقرار القانون، حتى قبل وصوله إلى الهيئة العامة، علماً بأن لرئيس المجلس دوراً أساسياً في اختصار الوقت أو إطالته، فهو يمكنه تحويل الاقتراح مباشرة إلى الهيئة العامة، كما يمكنه أن يتركه لمساره البطيء. بالنتيجة، بدا الاجتماع أمس كالسير بين الألغام. لم يُعلن أحد رفضه للقانون بالمطلق، لكن الملاحظات العديدة التي طُرحت فتحت الباب أمام تعقيد المهمة.
في الخلاصة، فإن الاقتراح الذي أقر، مع الأخذ في الاعتبار للتعديلات التي طرأت، ينص على الآتي:
- منع التحويلات إلى الخارج مهما كانت طبيعة الحساب ونوعه، باستثناء:
* ما له الصفة الدائمة: حسابات المؤسسات المالية الدولية، والمنظمات الدولية والإقليمية والسفارات الأجنبية، والأموال الجديدة التي أدخلت إلى المصارف ولم تكن قد حوّلت إلى الخارج بعد 17 تشرين الأول 2019.
* ما له الصفة الطارئة والمشروطة: كنفقات التعليم الجامعي، والضرائب والرسوم والالتزامات المالية المتوجبة لسلطات رسمية أجنبية والمنوطة حصراً بالأصول الشخصية السكنية وليس الاستثمارية، ونفقات الاشتراكات والتطبيقات على الإنترنت، ضمن حد أعلى 50 ألف دولار أميركي وأدنى 25 ألف دولار والحسم النهائي للهيئة العامة بعد تسلّمها المعطيات المالية الرقمية من مصرف لبنان.
- يجيز السحوبات في الداخل على الوجه الآتي:
* بالليرة اللبنانية مبلغ 20 مليون ليرة لبنانية شهرياً (لا تشمل السحب من حساب الرواتب والأجور)، أو مبلغ 15 مليون ليرة لبنانية شهرياً، والقرار متروك للهيئة العامة لتحديد السقف.
* بالعملة الأجنبية ما بين 400 و800 دولار، على أن يحسم السقف في الهيئة العامة بعد الحصول على الأرقام الرسمية من مصرف لبنان قبل الجلسة التشريعية.
- يمنع تحويل الحسابات من الليرة اللبنانية إلى العملات الأجنبية إلا إذا كانت التغطية النقدية الكافية متوفرة لدى المصرف المعني.
- يحدّ من الاستنساب بتحديده ستة تدابير تضمن إلزامية وحسن تنفيذه:
* إنشاء وحدة لمركزية التحويلات.
* وضع آليّة للبتّ بالطلبات.
* تحديد مرجعية إدارية للتظلّم.
* تحديد العقوبات التي تفرض بحق المصرف المخالف وسندها القانوني.
* تحديد مرجعية فرض العقوبات مع تحديد مهلة للبتّ.
* التأكيد على حق المراجعة القضائية.
- إن أي تشريع للكابيتال كونترول يجب أن:
* يعالج موضوع المراجعات العالقة أمام القضاء والمتعلقة بالتحاويل والسحوبات المالية. فقد نص اقتراح القانون على أن تخضع الطلبات المتعلقة بهذه المراجعات لأحكامه ما يسرع البتّ بها في ضوء تلكؤ القضاء عن ذلك.
* يكون مؤقتاً واستثنائياً لأنه يمسّ بمرتكزات محميّة بموجب الدستور تمّ تجاوزها استثنائياً ولفترة محدودة تحت سقف حماية النقد الوطني ومصلحة الدولة العليا. ولذلك نص اقتراح القانون على أن مدة العمل به هي سنة قابلة للتخفيض بتدبير حكومي إذا زالت الظروف التي استدعت إصداره.
- إن التدابير التي نصّ اقتراح القانون عليها تبقى عاجزة عن وضع حلول دائمة ما لم تقترن باستقرار سياسي من أولى متطلباته تأليف حكومة تتصدّى للمشكلة بكفاءة وجدارة، وإجراء إصلاحات بنيوية من ضمن خطة واضحة ومتكاملة تضع الاقتصاد الوطني على سكة استعادة مقوّمات حيويّته وانطلاقته، وتخرج البلد من أزمته.