بوليصة التأمين ضد أخطار «العنف السياسي» واحدة من أهم البوالص التي تلجأ إليها الشركات والمؤسسات في أوقات الأزمات، وخصوصاً في الدول التي ترتفع فيها احتمالات حصول أعمال شغب أو إرهاب أو وقوع حرب. المثير للقلق أن غالبية شركات إعادة التأمين في العالم باتت ترفض تغطية بعض المؤسسات في لبنان، إما بسبب موقعها الجغرافي ووقوعها في مناطق لها رمزيّة سياسية واقتصاديّة، أو بسبب صورتها السلبيّة لدى الرأي العام. والخلاصة أن «قلب بيروت»، إضافة إلى مناطق أخرى، وبعض القطاعات أيضاً، باتت «عارية» تماماً في وجه أي موجة غضب شعبي قد تستهدفها
مع اشتداد الأزمة الاقتصاديّة عقب انطلاق التحركات الشعبيّة، في 17 تشرين الثاني 2019، تلقت المصارف الجزء الأكبر من غضب المحتجين لدورها المحوري في المنظومة السياسيّة والاقتصاديّة التي أودت بالبلد إلى الانهيار، ولممارساتها التي أدّت الى تبخر ودائعهم واحتجاز ما تبقى منها.
[اشترك في قناة ‫«الأخبار» على يوتيوب]
لاحقاً، بعد أكثر من عام على حراك 17 تشرين الأول، أتى دور محال السوبرماركات التي شهد كثير منها منازلات بين الزبائن المتهافتين على السلع المدعومة، قبل أن تستهدف بدورها من قبل محتجين اتهموها بمحاولة جني الأرباح على حساب لقمة عيش الناس، عبر إخفاء السلع وتخزينها بانتظار ارتفاع سعر صرف الدولار. ورغم تراجع حالات الشغب والعنف هذه، إلا أن تقديرات معيدي التأمين حول العالم لا تطمئن، وتشي بأن الهدوء الحذر الذي نشهده قد يكون أكثر من هش وقابلاً للانفراط في أي لحظة، وأن مفاعيل الانفجار قد تطال قطاعات إضافية أخرى في حال استمرار عدم جديّة المسؤولين في التعاطي مع الأزمة.
يؤكد رئيس جمعية شركات الضمان في لبنان إيلي نسناس أن «معيدي التأمين على دراية دقيقة بأوضاع البلد ويتابعون الأحداث بأدقّ تفاصيلها ويعلمون درجة المخاطر الموجودة أو المرتقبة، وأين تتركز التظاهرات وأعمال الشغب، وما هي أكثر القطاعات والمؤسسات المستهدفة».
إحجام الشركات عن التأمين للقطاعات التي تعمل في وسط بيروت قد يفرغها من شاغليها


وقد دفع ذلك أغلب معيدي التأمين حول العالم إلى «رفض تأمين المصارف والسوبرماركات نظراً إلى المخاطر المحدقة بها جراء الأوضاع الاقتصاديّة، إضافة إلى مؤسسات أخرى قد يعرّضها موقعها لخطر التعرّض لاعتداءات في حال حصول أعمال شغب كتلك الموجودة في وسط بيروت تحديداً» بحسب المدير العام لشركةCommercial Insurance روجيه زكار. ويوضح أن «80% من المصارف لا تجد معيد تأمين يقبل بتغطيتها ضد أخطار العنف السياسي. أما من يقبل من معيدي التأمين فعددهم ضئيل جداً، وباتوا يطلبون مبالغ كبيرة جداً تفوق بأضعاف ما كانوا يطلبونه في السنوات السابقة». فعلى سبيل المثال، ارتفعت كلفة تأمين أحد المتاجر في وسط بيروت ضد أخطار العنف السياسي من 6 آلاف دولار سنوياً إلى 60 ألف دولار. «حتى ماجد الفطيم الذي يملك مؤسسات تقدر قيمتها بمئات ملايين الدولارات في لبنان لم يجد معيد تأمين يقبل بتغطية أعماله في لبنان ضد أخطار العنف السياسي، فيما نجح في تأمين مؤسساته في العراق»!
مثل هذه المعطيات، بحسب زكار، «كفيلة بإخافة أي مستثمر مستقبلي وبتفريغ بعض المناطق كالوسط التجاري من كثير من المؤسسات، وهو أمر يمكن أن يدفع من تبقى منها إلى تعزيز الأمن الذاتي واستخدام مسلحين لحمايتها كما نشهد في بعض الدول الإفريقية».
وفي هذا السياق، فإن المخاطر غير محصورة بالقطاعات والمناطق المذكورة فقط، بل هي قابلة للتوسع وأن تشمل مؤسسات ومناطق أخرى، وذلك تبعاً لمدى تطور الأزمة ونظرة الناس إلى بعض القطاعات، وهو أمر شهدناه يتكرر مع أكثر من صيدلية ومستشفى على سبيل المثال.