يصحّ القول بأنّ الحديث عن الانتخابات النيابية العامة بعد 11 شهراً، كون ولاية البرلمان الحالي تنتهي قانوناً في 23 أيار 2022، بدأ يكتسب جدية أكبر في الوقت القصير المتبقّي أمام تأليف حكومة محتملة برئاسة الرئيس سعد الحريري إذا ألّفها. ناهيك بالوقت الذي سيتطلبه التأليف وإصدار مراسيمها، في مهلة تجعلها أقرب مما يُعتقد إلى موعد استحقاقات ثلاثة داهمة السنة المقبلة، لا تفصل ما بينها سوى أقل من ستة أشهر.[اشترك في قناة ‫«الأخبار» على يوتيوب]
تبعاً لروزنامة مواعيد مفترضة، فإن الانتخابات النيابية تسبق الانتخابات البلدية والاختيارية التي تسبق الانتخابات الرئاسية. آخر انتخابات نيابية كانت في 6 أيار 2018 لولاية من أربع سنوات، وآخر انتخابات بلدية واختيارية كانت في 8 أيار 2016 لولاية من ست سنوات، وآخر انتخابات رئاسية كانت في 31 تشرين الأول 2016 لولاية من ست سنوات كذلك. بذلك وضع الزمن، للمصادفة، الاستحقاقات الثلاثة الجديدة المقبلة في توقيت متقارب، احتراماً للنصوص الدستورية والقانونية التي ترعى مدة ولاية كل منها على حدة.
نحو تقصير ولاية البرلمان كي تسبق انتخاباته الانتخابات البلدية، وتفادي انفجار الصراعات العائلية (هيثم الموسوي)

في الموازاة، بات من لزوم ما لا يلزم مبدئياً على الأقل، القول إن الاستحقاقات الثلاثة ستُجرى بدورها تبعاً لقوانينها النافذة مذّاك، بلا أدنى تعديل. ما يقتضي بالمراجع المعنية توجيه الدعوة إلى الانتخابات الثلاثة في مواعيدها. بالتأكيد ليست المادة 49 من الدستور، المتصلة بانتخاب رئيس الدولة، في صدد أي مناقشة فيها، وقد بات بلا لبس نصاباً الانعقاد والتصويت في الدورة الأولى من الاقتراع كما في الدورات التالية. لم يعد الوقت، ولا الواقع السياسي الخاوي المنهار، قادريْن على الخوض في تعديل قانون الانتخاب الحالي، المعوِّل على النسبية والصوت التفضيلي. الأمر نفسه مع قانون البلديات النافذ.
ما هو معلوم أيضاً، الآن أكثر من قبل ولاحقاً أكثر من الآن، أن المجتمع الدولي في ضوء ما يفيد به بعض سفراء الدول الكبرى، ليس في وارد التسامح حيال أي تفكير في تعليق الانتخابات النيابية، عبر تمديد ولاية مجلس النواب على نحو ما حصل ثلاث مرات أعوام 2013 و2014 و2017، بذرائع واهية شتى حينذاك. ولا الحجج المساقة حالياً في بعض المواضيع ومنها الانتخابات الفرعية المعطلة، صالحة لتعميمها على الاستحقاق المقبل، سواء المرتبطة بتمويل إجراء الانتخابات أو انهيار العملة الوطنية أو تحرّك الشارع أو جائحة كورونا حتى، تبقى مقنعة أمام الخارج كي يغضّ الطرف على غرار ما فعل مع السوابق الثلاث تلك. تراقب الدول الغربية، من خلال السفراء، تعاطي المسؤولين منذ الآن مع الاستحقاق المقبل، ويعوّلون على أنه سيحمل مفاجآت في مواجهة القوى السياسية الحالية.
بذلك يتمثّل التحدي الأول أمام القوى السياسية في طريقة استيعابها بداية صدمة حصول الانتخابات النيابية المقبلة في موعدها، وفي إظهار هذه القوى للخارج المُراقِب أن الكثير الكثير الذي يتوقعه من الانتخابات النيابية، هو القليل القليل الفعلي الذي سيحدث. لا سبيل سوى أن تؤكد القوى نفسها أن لا بديل منها في الحكم ببرهان واضح هو إرادة الناخبين اللبنانيين. وقد لا تجهد القوى السياسية كثيراً في تبيان عدم فاعلية الحراك الشعبي المنحسر. إذ لا يعدو أصحابه - مذْ خسروا مواجهة مرحلة 17 تشرين الأول 2019 أمام الأحزاب - سوى منافسين جدد ضئيلي التأثير، في مسار انتخابات تمسك القوى السياسية بمفاتيحها كلها، القضائية والأمنية والإجرائية والإدارية والخدماتية.
الدول الغربية لن تتسامح مع أيّ محاولة لتمديد ولاية البرلمان الحالي


ما يجري الآن على أبواب الانتخابات النيابية من أحاديث واهمة عن إقرار قانون كابيتال كونترول، المؤجل منذ مطلع سنة 2020، المتعمّد تعطيله، ناهيك بالرشوة التي تتألّب فيها القوى السياسية ورموزها الرئيسيون مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حيال فكرة ردّ جزء يسير - وإن على نحو ملتوٍ - من الودائع بالعملة الصعبة إلى اللبنانيين، أضف الغش المتمادي في الكلام عن بطاقة تموينية لا تلبث أن تصغر إلى كرتونة مؤن، ذلك كله يقود إلى أولى الخطوات الممهّدة لانتخابات 2022.
واقع الأمر أن الاستحقاق الأول الصادم هو الانتخابات النيابية. بحسب روزنامة المواعيد، يقتضي أن تسبقها الانتخابات البلدية والاختيارية بانتهاء ولاية المنتخبين عام 2016 في 8 أيار 2022. ذلك يعني أن أول مَن سينزل إلى ميدان المواجهة، لوائح متنافسة وصناديق اقتراع، ليس الزعماء وكتلهم وأحزابهم، بل عائلات بلداتهم وقراهم - إذا بدا أن في المستطاع السيطرة على ناخبي المدن الكبرى - التي سيجبه بعضها بعضاً، داخل مساقطهم وأقضيتهم. يضع ذلك الكتل والأحزاب في موقف حرج ومُربك، ينجم - كما في كل انتخابات بلدية عادية - عن انقسام العائلات والأجباب بعضها على بعض، فتتنافس بلا قضية أو برنامج، ما خلا توكيد الذات العائلية والحيثية المحيطة بها والنفوذ المحلي، بلا واجهة حزبية لا تلبث أن تظهر هذه لاحقاً. لأن نواة الانتخابات البلدية والاختيارية هي البيت والعائلة، لا يسع الحزب والكتلة السياسية سوى أن يلحقا بهما، لا العكس على نحو الانتخابات النيابية. المشكلة التي لا يحتاج إليها في هذا الوقت تحديداً الزعماء والأحزاب، ويريدون تفاديها. أي انقسام فادح يتأتّى عن الانتخابات البلدية والاختيارية في قواعد العائلات والبيوت والعشائر والناخبين، ينعكس سلباً على الانتخابات النيابية الوشيكة في موعد من المفترض أنها ستلي تلك.
ليس خافياً أن أحاديث تدور بعيداً من الأضواء بين زعماء وقيادات، تتوخّى تفادي تزامن الاستحقاقين المرتبطين بناخب واحد، هو جمهور هؤلاء وقواعدهم الشعبية، الأكثر قابلية للخلاف والانقسام والتفكّك من ذي قبل، الأكثر استعداداً الآن للعصيان والتمرد في ظل الانهيارين الاقتصادي والمعيشي، وتحوّل الفقر والعوز والفاقة صوتاً فعلياً في صناديق الاقتراع.
ما يجري تداوله، تعديل مجلس النواب قانون البلديات بما يسمح بتمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية أشهراً قليلة، فسحاً في المجال أمام إجراء انتخابات نيابية عامة تسبق الموعد المقدَّر لها في أيار 2022، على أن يصير إلى تقصير البرلمان الحالي أشهراً قليلة بدورها، تمهّد لإجراء انتخابات نيابية عامة لا مفرّ منها في أواخر شباط أو مطلع آذار. بذلك تستوعب نتائج الاستحقاق النيابي سلفاً - وقد تمّ - أي تداعيات سلبية محتملة تنجم عن الاستحقاق البلدي لاحقاً، وتجرّ إليه نتائج الاستحقاق النيابي عوض أن يقع هذا ضحية ذاك، من جراء انفجار الصراعات العائلية، غير الخالية من الولاءات الحزبية والمذهبية والطائفية. يصحّ ذلك في المحافظات التاريخية الخمس جميعها بلا استثناء.