الأحجام في ميدون غير متناسقة. صغر مساحة البلدة لا يتناسق مع موقعها الجغرافي كبوابة للبقاع الغربي من ناحية الجنوب. عدد سكانها القليل لا يتناسق مع ضخامة روضة شهدائها. تواضع مجتمعها القائم على الزراعة والرعي لا يتناسق مع كونها الشغل الشاغل لإسرائيل التي لا تزال تحاول فك ألغازها؛ من بسالة أبنائها إلى دورها في اختفاء الطيار الإسرائيلي رون آراد.عقب الاجتياح الإسرائيلي للجنوب والبقاع الغربي عام 1982، حسمت ميدون سريعاً موقفها من المحتل وعملائه. وذلك بالرغم من قلة عدد المقيمين (حوالى 40 بيتاً آنذاك) وموقعها الجغرافي بين التلال الشاهقة التي تمركز فوقها العدو (تومات نيحا والريحان ولوسيا والسريرة). في بداية عام 1983، وما إن علم الأهالي بأن العملاء يستحدثون حاجزاً عند مدخل البلدة الجنوبي لناحية قضاء حاصبيا المحتل، حتى تجمعوا في الساحة وتسلحوا على قدر إمكاناتهم كمزارعين ورعيان. قاد الاحتجاج خليل ماضي ابن الستة والعشرين عاماً. مشى بالأهالي إلى الحاجز. تضارب مع العميل محاولاً نزع سلاحه، فبادره الأخير بإطلاق الرصاص وأرداه شهيداً. شقيق خليل، علي ماضي، ثأر سريعاً لشقيقه بأن انتزع سلاح العميل وأرداه قتيلاً. هجم الأهالي على عناصر الحاجز بالعصي، وأجبروهم على الهرب وإزالته.
تحرّرت البلدة عام 1985، لكنّها بقيت خط تماس بين المناطق المحررة و«الشريط الحدودي»


الشقيقان ماضي كانا ملهمين للشبان لمقارعة الاحتلال. خليل أول شهيد في ميدون والبقاع الغربي بوجه الاحتلال الإسرائيلي. أما علي فقد استُشهد لاحقاً في عملية للمقاومة. وفي عام 1986، لحق بهما والدهما محمد ماضي الذي سقط مع عثمان فقيه خلال مواجهة أيضاً. تحررت ميدون عام 1985 من الاحتلال، لكنها بقيت خط تماس بين الجنوب المحتل والبقاع الغربي. عام 1986، استحدث العدو موقعاً قرب ميدون وعزّز موقعَي لوسيا والسريرة. في مزرعة لوسيا التابعة لميدون، جرف بيوتها الخمسة عشر ليحول محيط الموقع إلى أرض محروقة تكشف تحركات المقاومين. مع ذلك، استطاع المقاومون تحرير الموقعين. حتى إنهم غنموا دبابة وساروا بها إلى مشغرة. رد فعل العدو كان قاسياً: هجّر الأهالي. يستذكر محمد ماضي (75 عاماً) كيف تشتت أبناء ميدون بين مشغرة وبيروت وبعض بلدات ساحل الجنوب. لم يكتف العدو بتحويل ميدون إلى خربة مهجورة. واصل الانتقام منها «لأنها كانت بعد تحريرها، منطلق عمليات المقاومة في محور جبل الريحان»، قال مختار لوسيا حاتم قاسم. في 4 أيار من عام 1988، قررت إسرائيل إنهاء الحساب مع ميدون. المقاومون كانوا في الاستقبال. سقط من الفرقة ثمانية جنود من بينهم ضابط، قبل أن يسحب العدو المشاة والمظليين ويركز على القصف بالطيران والمدفعية. إسحاق رابين الذي كان حينها وزير الحرب، أشرف على العملية من موقع تومات نيحا المقابل. أما قائد المظليين آنذاك شاؤول موفاز، فكان يشارك في العملية ومعه مائير داغان الذي أصبح لاحقاً قائداً للموساد.
لعنة ميدون أصابت إسرائيل بمقتل، فوراً: أضاعت رون آراد إلى الأبد. بحسب تقرير إسرائيلي، فإن آراد، الطيار الإسرائيلي الذي كان أسيراً بيد المقاومة، فُقِد أثره نهائياً في معركة ميدون باحتمالين: الأول بأنه «كان مسجوناً في النبي شيت بغرفة بمنزل لدى عائلة استُشهد أحد أفرادها خلال المعركة. وعندما غادرت المنزل لتشييع شهيدها، وعادت لم تجده». أما الاحتمال الثاني، فإن «أحد آسريه أطلق النار عليه وأرداه انتقاماً مما ارتكبته إسرائيل في المعركة».