بحجة الظروف الاستثنائية التي فرضها وباء «كورونا»، تمكّن المدير العام لمُستشفى رفيق الحريري فراس الأبيض من الحصول على «إذن» يجيز له فتح باب التوظيفات في مصلحة التمريض في المُستشفى، رغم أن القانون الرقم 46 (قانون سلسلة الرتب والرواتب) الصادر عام 2017 نصّ، بشكل واضح لا لبس فيه، على منع التوظيف في المؤسسات والإدارات العامة «إلا بقرار من مجلس الوزراء بناءً على تحقيق تُجريه إدارة الأبحاث والتوجيه».وبحسب معلومات توافرت لـ«الأخبار»، لم تراع آلية «التوظيفات الاستثنائية» أدنى الشروط البديهية التي تلحظها القوانين، كالخضوع لامتحانات في مجلس الخدمة المدنية، «وهو إجراء لا تُعفى الإدارة منه بحجة الظروف الاستثنائية وفق ما تنص مقتضيات نظام المؤسسة الداخلي»، وفق مصادر داخل المُستشفى. المصادر أكّدت أن إدارة المستشفى لجأت إلى «بدعة» إجراء مباريات داخلية لم تُعرف المعايير التي حكمتها، كما لم يُعلن عن التوظيفات ولا عن رواتب الموظفين الجدد، ما «يُعزز شبهة التنفيعات والمحسوبيات السياسية التي تتردّد على لسان غالبية الموظفين في المُستشفى».
في 27 نيسان الماضي، طلبت رئيسة مصلحة الشؤون المالية والإدارية ندى الصبان من الأبيض الموافقة على شراء خدمات 14 «موظف كونتوار» بناءً لطلب رئيس مصلحة التمريض لحاجة القسم إلى خدماتهم، قبل أن يتبيّن أن عدداً من هؤلاء الموظفين الذين باشروا عملهم في المُستشفى في الخامس من الجاري نُقلوا إلى أقسام أخرى، منها «العلاقات العامة» والـ«غرافيك ديزاين» و«الخدمات الاجتماعية»! وبحسب المعطيات، فإنّ من بين الموظفين ابن رئيس دائرة الصيانة المقرّب من الأبيض، وقد أُضيف اسمه الى «الناجحين» «من دون الخضوع حتى لامتحان شكلي» أصلاً وفق مصادر إدارية، كما «زُجّ في اللائحة اسم موظفة تربطها صلة قرابة بالأبيض».
«الأخبار» سألت المدير العام للمستشفى عن هذه التوظيفات العشوائية، فاكتفى بالإشارة إلى أن المستشفى «رفع قدرته الاستيعابية من 170 سريراً إلى 340، فضلاً عن إضافة مركزين للتلقيح يتطلب كل منهما تشغيل 10 موظفين». وأضاف: «كل شي عم نعملو لأن البلد بحاجة إلو»، لافتاً إلى أن كل شيء آخر «مُختلق».
الموظفون الجدد الذين تمّت الاس ئتعانة بهم بحجة العمل في قسم التمريض نُقلوا إلى أقسام أخرى


المصادر الإدارية تساءلت حول مدى حاجة المُستشفى، في هذه الظروف، إلى موظفين «ينزلون بالباراشوت» في قسم العلاقات العامة؟ كما سألت عن أولوية الالتفات إلى تنظيم شؤون الموظفين عبر حسم سلسلة الرتب والرواتب التي لم ينظر الأبيض فيها بعد. أما الأهم، فهو الشق المرتبط بالظروف التي تمنع أن تخضع تلك التوظيفات لرقابة داخلية مُسبقة أو لرقابة مباشرة من قبل سلطة الوصاية المتمثلة بوزارة الصحة. إذ تؤكد المعطيات أن التوظيفات الأخيرة لم تمر بدائرة مراقبة النفقات فيما «طنّشت» الوزارة عن القيام بواجباتها في هذا المجال. ووصفت المصادر ما يحصل حالياً بـ«فضيحة أشبه بما حدث في أوجيرو في ظل تغليب المحسوبيات وغياب الرقابة». فيما لم يشأ رئيس مصلحة المُستشفيات في وزارة الصحة الدكتور جهاد المكوك الرد على الاتصالات المتكررة للاستفسار عن الموضوع.
موظفون في المُستشفى أكدوا لـ«الأخبار» أن الموظفين الجدد ينتمون إلى تيار المستقبل الذي يُعَدّ الأبيض محسوباً عليه، علماً أن اسم الأخير مطروح لتولي حقيبة الصحة من حصة التيار في أي حكومة يشكلها الرئيس المكلف سعد الحريري.
يأتي ذلك كله في وقت يحيط الغموض بالحسابات المالية للمُستشفى في ظل عجز متراكم يفوق 100 مليار ليرة، وفي ظل فوضى تتحكم بآلية إدارة هذا المرفق العام. وفيما كان الرهان بأن تؤدي الأموال والتبرعات التي تدفقت على المُستشفى في زمن الوباء في تحسين أوضاع موظفيه وأوضاعه، تسبّبت الفوضى نفسها التي تغيّب العمل المؤسسي، في عدم ترجمة هذه المساعدات تحسناً على مستوى الإدارة والتنظيم. والمثال الأبرز على الفوضى التي تحكم عمل المُستشفى، استنسابية الإدارة في تطبيق سلسلة الرتب والرواتب على كبار موظفيها حصراً. إذ تؤكد أوساط داخل المُستشفى أن كبار الموظفين المرضيّ عنهم يتقاضون رواتبهم على أساس 44 ساعة (نظام ما قبل السلسلة) ويعملون 35 ساعة (وفق ما ينص قانون السلسلة) في وقت ينتظر العشرات من صغار الموظفين إنصافهم عبر إعادة النظر في رواتبهم.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا