شهدت طرقات لبنان الدولية، أمس، من شماله إلى جنوبه، حركة سيرٍ كثيفة لحافلات نقل النازحين السوريّين إلى لبنان الذين «حجّوا» إلى سفارة بلادهم في اليرزة، للمشاركة في الانتخابات الرئاسية. ممرٌّ يمتدُّ من مستديرة الصيّاد حتى مفرق بسوس، يجوبه آلافٌ من السوريين الذين يرفعون أعلام بلدهم وصورة رئيس جمهوريّتهم بشار الأسد، وسط هتافات، لا جديد فيها، تناصر الدولة والرئيس وتفديه بالروح وبالدم.يترجّل الناخبون بعيداً من السفارة بمسافة تحتاج إلى أكثر من ساعة مشياً على الأقدام، بينما يسلك الصحافيون والإعلاميون طريقاً مختلفاً يمرُّ ببعبدا، وسط إجراءات أمنيّة وعسكريّة مُشدّدة، بل تكاد تكون خانقة.
مدخلُ السفارة يجمع ما بين الإعلاميين والناخبين، حيثُ تستقبلهم معاً أعلام الجمهوريّة العربيّة السوريّة والأغاني الوطنيّة البسيطة المألوفة.
على شكل صندوقٍ مفتوحٍ توزّعت غرف الاقتراع السرّية الـ 17 وصناديق الاقتراع الـ 15. بحيث يدخُلُ الناخب ويبرز هويّته، ليُدَقّق بها إلكترونيّاً، ثُمّ يحصل على ورقة اقتراع تتضمّن صور المرشّحين الثلاثة: الرئيس بشار الأسد، عبد الله سلوم عبد الله ومحمود مرعي. يضع الناخب علامة إلى جانب صورة مرشّحه ثم يضعها في الصندوق.
تتقاسم مهام التنظيم لجنة مؤلفة من أكثر 60 شخصاً، يتراوح عملهم بين صناديق الاقتراع والغرف السرّية إلى الأوتوسترادات وتنظيم وصول الناخبين. من مسؤوليّتهم أيضاً الحفاظ على الإجراءات الوقائية من فيروس «كورونا»، فيوزّعون الكمامات على المقبلين إلى السفارة ويحاولون الإبقاء على مسافة آمنة بين الناخبين قدر المستطاع، والتي كانت صعبة بوجود جحافل من الناخبين. ومن جهة أُخرى، لم تغفل اللجنة أبداً عن تكرار كنس الأرض وتنظيفها، فلم يلحظ أيّ خلل بالنظافة أو حتى الترتيب.
وبينما كانت اللجنة تقوم بمهامها على أكمل وجهٍ، كان الناخبون يصلون من مختلف المناطق اللبنانية بحافلاتٍ ونقلٍ مؤمّنٍ. وقد بدا لافتاً الأعداد التي وصلت من مخيّمات البقاع من الهرمل إلى قصرنبا ومحيط زحلة.
أمّا الجزء الآخر من التنظيم، فتولّته الأحزاب، التي لم يلتزم بعض مناصريها بما كان مُتّفقاً عليه لجهة عدم رفع أي شعارات حزبيّة. عدم الالتزام لم يقتصر على الحزبيين، بل شمل بعض الناخبين بشكلٍ خاص. أبرز تلك الأحزاب كان الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي ميّز منظّموه أنفسهم عن التنظيمات الأخرى بشاراتٍ تتضمّن الماكينة الانتخابية التي يعملون وفقها ومركز حزبهم في الروشة بيروت.
أحد المُعتدى عليهم كشف تعرُّضه للضرب «من قبل عنصر من الجيش اللبنانيّ»


وفي حديثٍ إلى «الأخبار»، قال المسؤول عن مجموعتهم (مؤلّفة من 20 شابةً وشاباً) أحمد الحموي، إن «المجموعة جاءت باسم الحزب السوري القومي الاجتماعي - عمدة التنمية. نعمل على هذا الاستحقاق منذ ما يقارب الخمسة أشهر انظلاقاً من إيماننا بمشروع الدولة في سوريا». وأضاف: «لدينا حلف استراتيجي مع هذه الدولة التي دحرت أحلام التكفيري والتقسيمي، مع الدولة التي هي ضمانة لمساعدة محور المقاومة على دحر اليهود». وأوضح أن دور الحزب «هذه المرة في الانتخابات الرئاسية عمليّ، لأننا قمنا بإحصاءات ونظّمنا استمارات وسيكون لنا الدور نفسه في 26 الجاري»، لافتاً إلى أنّ «المعركة ليست معركة انتخاب فرد، بل انتخاب مشروع دولة».
وكانت المسؤولة عن الشؤون الإعلامية في السفارة السورية، منال عين ملك، قد أكّدت بدورها، هذا الأمر في حديث إلى «الأخبار»، لافتةً إلى أنّ «العملية الانتخابية سرت كما يجب». من جهته، أعلن القنصل السوري في لبنان هادي العجي، أنّ «الأعداد في تزايد مستمرّ، ولم يستطع الجميع التسجيل على المنصّات، إلّا أنّ 240 ألف شخصٍ سجّلوا أسماءهم».
وكشف أنّه «سيتمّ التمديد وفتح المراكز الحدودية على المعابر كافة لتسهيل إمكانية الانتخاب في حال موافقة المحكمة الدستورية على ذلك». كما لفت السفير السوري علي عبد الكريم علي، إلى أنّ «الإقبال على العملية الانتخابية كثيف».

الاعتداءات العنصرية لاحقت المشاركين
صفو العملية الانتخابية عكّرته الاعتداءات على المشاركين، والتي تصدّرت المشهد في لبنان أمس، حيث اعتدى بعض من قطعوا الطريق في كسروان على المقبلين من طرابلس.
وفي حديثٍ إلى «الأخبار» مع أحد المُعتدى عليهم، والذي كان يربط رأسه بشاشٍ تظهر عليه آثار دماء، كشف تعرُّضه للضرب «من قبل عنصر من الجيش اللبنانيّ»، بعدما كان يحاول الدفاع عن نفسه بعد الاعتداء عليه من عناصر «القوات اللبنانية» بحسب ما قال.
في هذا الإطار، رأى دبلوماسي سوري أنّ «الاعتداءات حالات فرديّة، والعقلاء في لبنان أكثر من المعتدين بكثير، واللبنانيون والسوريون شعب واحد». ولفت إلى أنّ «العائلات اللبنانية والسورية متداخلة، ومن الممكن أن يكون من اعتدى على المواطنين السوريين قد اعتدى على قريبه»!
أمّا السفير علي، فأعلن أنّ «الإقبال الكثيف يعني أنّ المواطن السوري يريد العودة إلى بلده»، معتبراً أنّ «هذا الأمر لا يجب أن يزعج اللبنانيين». كما وضع الملفّ في عهدة السلطات اللبنانية.
كسر هذا المشهد العنصريّ تأكيد الفنّان معين شريف، الذي ظهر فجأة بين الجموع، لـ«الأخبار» أنّه «نصف سوريّ»، ذلك أنّ والدته سوريّة الجنسية، وأنّ البلدين شعبٌ واحد. هذه الأجواء، رافقتها جولات على مواقع التواصل الاجتماعي، ظهرت فيها أصوات العنصريين خافتة، في ظلّ عملٍ منظّم كبيرٍ لم تشهده انتخابات الرئاسة السورية مسبقاً.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا