منصة صيرفة، العملة اللبنانية الرقمية، منصة استيراد الأدوية... ثلاثة مشاريع فوّض مصرف لبنان تنفيذها - من دون مناقصة - إلى شركة واحدة هي «فوو». الرابط بين الشركة ومصرف لبنان، هي ماريان الحويّك، مساعدة الحاكم رياض سلامة التي ورد اسمها إلى جانبه في القضية التي يلاحقه فيها القضاء السويسري. الحويّك تعاقدت، عبر شركة خاصة بها، مع «فوو» لتنفيذ مشاريع لصالح «المركزي». ودُفعت تكلفة المشاريع بالدولار الأميركي، وحُوّل جزء منها إلى خارج لبنان. هو فصلٌ جديد من استغلال السلطة وهدر أموال المودعين على مشاريع غير ضرورية، ولم تُبصر النور أصلاً. الشركة نفسها ستتولى تنفيذ مشروع «المنصة» التي يَعِد سلامة بإطلاقها تحت عنوان «ضبط سعر الدولار في السوق»
فصْلٌ جديد يظهر عن إهدار الحاكم رياض سلامة دولارات المودعين، وإساءة استغلال السلطة والنفوذ داخل مصرف لبنان، وعن العلاقة «التشاركية» التي تربط سلامة بـ«كبيرة مُساعديه»، ماريان الحويّك وأدّت إلى مراكمة الأخيرة ملايين الدولارات بسبب موقعها الوظيفي والامتيازات التي يُغدِقُها عليها سلامة. آخر الفضائح المُكتشفة أنّ حاكم مصرف لبنان دفع لموظفة (الحويّك) لديه «عمولة» لقاء تعاقدها مع إحدى الشركات لتنفيذ برامج إلكترونية لصالح مصرف لبنان، سدّد الأخير ثمنها بالدولارات الأميركية «الطازجة». وبما أنّ مصرف البنك المركزي لا يملك مدخولاً بالدولار، فهذا يعني أنّه دفع للحويك والشركة الخاصة من حساب العملات الأجنبية لديه، أي دولارات المودعين.
(هيثم الموسوي)

حصل ذلك بين 2019 و2020، أي في عزّ انفجار الفقاعة المالية والنقدية والاقتصادية في لبنان، و«نقّ» سلامة الدائم بأنّه لم يعد يملك الدولارات الكافية للدفاع عن استقرار الليرة، ولا لدعم استيراد المشتقات النفطية لزوم كهرباء لبنان والسلع الأساسية للسكّان. واستناداً إلى الحجّة نفسها، يرفض «المركزي» تمويل البطاقات التمويلية لتعويض وقف الدعم عن الاستيراد، ويمتنع عن ردّ أموال المودعين إليهم. في المقابل، حدّد سلامة «أولوياته» لمواجهة مرحلة الانهيار: «مدّ يده» إلى دولارات المودعين لتنفيذ مشاريع غير ضرورية في المرحلة الراهنة، ودرّ الأرباح إلى حسابات مُساعدته، التي ورد اسمها في الملفات القضائية المفتوحة ضدّ سلامة في سويسرا وبريطانيا وفرنسا، حيث يُشتَبه فيه بتبييض الأموال واختلاسها.
421 ألفاً و800 دولار أميركي، فاتورة تلقّتها «فوو» من مصرف لبنان


أداة الحويّك التنفيذية في الفضيحة الجديدة هي شركة «CloudX - كلاود إكس» التي أسّستها سنة 2018، وتولّت تنظيم المؤتمر الدولي السنوي، الذي يعقده مصرف لبنان حول الشركات الناشئة. وظيفة «كلاود إكس» - أو ماريان الحويّك - كانت التعاقد مع شركة «FOO SAL - فوو» لتنفيذ برامج لصالح مصرف لبنان، بمبالغ مُرتفعة، تُدفع حصراً بالدولار الأميركي. مثلاً، حوّل «المركزي» إلى حساب «فوو» في البنك اللبناني الفرنسي مبلغ 421 ألفاً و800 دولار أميركي في 30 حزيران 2020 (فاتورة رقم 146 - 2020). هذه قيمة فاتورة واحدة تلقّتها الشركة، من جُملة فواتير أخرى، لقاء العقد الموقّع بين الفريقين لإطلاق «منصّة صيرفة»، التي لم تكد تبدأ بالعمل عام 2020، حتّى توقفت عن العمل، وها هي الشركة تستعد لإطلاق منصة «صيرفة 2» التي يروّج لها سلامة، منذ أسابيع، لاستخدامها لعمليات الصيرفة لدى المصارف.
شركة «فوو» مُتخصّصة في كلّ ما له علاقة بالأنظمة المعلوماتية والتطبيقات، وخدمات ما قبل البيع وما بعده، مملوكة من إيلي نصر، وغدي الريّس، وطلال البجّاني، ونائب رئيس مجلس إدارة شركة «زين» للاتصالات ورئيسها التنفيذي بدر الخرافي، والرئيس التنفيذي للعمليات المجموعة في «زين» مارك سكوت - جيجنهيمر، والرئيس التنفيذي السابق لـ«تاتش» ايمري غوركان، والرئيس التنفيذي للشؤون المالية في «تاتش» أسامة متى. المشاريع التي وقّعت على تنفيذها لصالح مصرف لبنان هي: منصّة صيرفة، العملة الرقمية، منصّة استيراد المعدات الطبية والأدوية. لم تحصل «فوو» على المشاريع بعد فوزها بمناقصة، ولا يظهر لماذا تمّ اختيارها دون غيرها لتقديم خدمات موجودة لدى شركات أخرى وبأسعار تنافسية. حاولت «الأخبار» التواصل مع غدي الريّس وإيلي نصر للاستيضاح منهما عن العقود، التي اطلعت عليها؛ الأول لم يُجِب، أما الثاني فطلب، بعد معرفة هوية المُتصل، معاودة الاتصال به «بعد ربع ساعة»، ولكنّه لم يعد يجيب!

«منصّة صيرفة»
بدأت المفاوضات بين شركتَي «كلاود إكس» (ماريان الحويّك) و«فوو» (ممثلة بإيلي نصر) لإطلاق منصّة صيرفة، قبل أن يُصبح مصرف لبنان لاعباً مباشراً. هذه المنصة أُطلقت في حزيران 2020، وشرح «المركزي» يومها أنّ الهدف منها هو «تداول الدولار والعملات الأجنبية في كل مؤسسات الصرافة. وتهدف إلى تنظيم عمليات التداول بالدولار التي تقوم بها مؤسسات الصرافة في لبنان، حماية لاستقرار سعر صرف الليرة اللبنانية».
وُضعت مسوّدة الاتفاقية ومدتها ثلاث سنوات قابلة للتجديد تلقائياً إلا في حال راسل الزبون (مصرف لبنان) «فوو» خطياً قبل شهر واحد أقلّه برغبته إنهاء الاتفاقية. وقد تضمّنت أيضاً أنّه في حال طلب مصرف لبنان من «فوو» تقديم خدمات الدعم والصيانة سنوياً، «يجب وضع اتفاقية جديدة مُخصّصة للدعم وصيانة البرامج»، وهذا ما حصل في 30 تشرين الأول 2020.
حُدّدت التكاليف على الشكل التالي:
- بدل الترخيص 85 ألف دولار سنوياً، تُدفع على ثلاث سنوات
- 135 ألف دولار تكاليف المرحلة الأولى
- 125 ألف دولار تكاليف المرحلة الثانية
- 35 ألف دولار تكاليف المرحلة الثالثة
يعني أنّ كلفة المشروع الإجمالية هي 550 ألف دولار، تضاف إليها تكاليف الصيانة السنوية، البالغة 81 ألف دولار، يبدأ تقاضيها بعد سنة من بدء العمل بالمشروع. يدفع مصرف لبنان في السنة الأولى 380 ألف دولار، وفي السنتين الثانية والثالثة يدفع 85 ألف دولار (من دون تكاليف الصيانة والدعم)، و166 ألف دولار إذا تضمنت هذه التكاليف، على أن يُترك الخيار له. «يتمّ دفع الرسوم المستحقة لـ«فوو» بالدولار الأميركي الطازج حصراً، وتُدفع في حساب الشركة بالدولار في لبنان»، بحسب ما ورد في العقد. وللتذكير، فإن هذه المنصة ما كادت تبصر النور حتى توقفت عن العمل، ولم يبق منها إلا الاسم المعروف لسعر الدولار الذي حدده رياض سلامة لتسديد دولارات المودعين بالتقسيط الممل، وهو 3900 ليرة للدولار الواحد (سعر المنصة). وما تقدم يعني أن العقد مع «فوو» كان هدراً خالصاً.
وللتذكير، فإن منصة صيرفة التي أعلن سلامة إطلاقها في تموز 2020، من دون أن تتحوّل إلى واقع ملموس مستمر، هي غير تلك التي يَعِد حاكم مصرف لبنان، منذ 16 نيسان 2021، بإطلاقها إما الإثنين وإما الخميس من كل أسبوع، والتي يسوّق لها بصفتها ستجعل سعر صرف الدولار في السوق «مضبوطاً» عند حدود 10 آلاف ليرة للدولار الواحد! وشركة «فوو» هي التي ستتولى تنفيذ منصة سلامة الجديدة.

دفع «المركزي» مليونَي دولار نقداً لتنفيذ العملة الرقمية التي لم تبصر النور بعد


العملة اللبنانية الرقمية
عام 2018، أعلن رياض سلامة أنّ البنك المركزي سيُصدر عملة رقمية محلية لـ«تفعيل التكنولوجيا المالية ومواكبة التطور». وفي آب 2019، وقّعت شركة «كلاود إكس» و«فوو» عقداً لإطلاق منصّة العملة اللبنانية الرقمية، التي أُطلق عليها تسمية «LDP». وتشرح الاتفاقية أنّ الغرض الرئيسي من المنصة «نقل السوق اللبنانية إلى اعتماد نظام دفع غير نقدي». صحيحٌ أنّ «كلاود إكس» وقّعت العقد لتُنفّذه نيابةً عن مصرف لبنان، إلا أنّ الاتفاقية حفظت لها حقّها في «إعادة بيع ترخيص المنصّة للبنك المركزي اللبناني، أو المؤسسات المالية اللبنانية المرخصة، أو الشركات العاملة في الأسواق المالية المُرخص لها العمل داخل لبنان».
تُشير الاتفاقية بين «كلاود إكس» و«فوو» إلى أنّ البنك المركزي هو المسؤول الوحيد عن إصدار العملة الرقمية، وتحصل المصارف عليها منه، أما العملاء من غير المصارف فيُمكنهم طلب العملة الرقمية من مزوديها المُعتمدين.
هؤلاء المزودون هم «مالكو محافظ العملات الرقمية، التي لن يكون للمصارف أي سيطرة عليها. ولكن يُمكن تفويض المصارف أو شركات التحويل المالي، التأكد من معلومات العملاء وصحة مستنداتهم».
أما بالنسبة إلى التكلفة، فيجب على الزبون (مصرف لبنان مُمثلاً بـ«كلاود إكس») أن يدفع إلى «فوو» 2 مليون و212 ألف دولار أميركي، لا تشمل الضريبة على القيمة المُضافة. تؤكّد معلومات «الأخبار» أنّ المبلغ حُوّل كاملاً إلى حساب مالكي «فوو» في دبي، من دون أن تكون الأعمال قد أُنجزت. المليونا دولار أميركي، «الفريش»، دُفعا من أموال المودعين، وهو مبلغ يُساوي قرابة أشهر من دعم استيراد المواد الأساسية للمواطنين. ورغم ذلك، لم تبصر العملة الرقمية النور.



منصة الأدوية
الاتفاقية الثالثة التي وقّعها مصرف لبنان مع «فوو» هي إطلاق منصّة «بروبو - PROBO»، لتنظيم استيراد المعدات الطبية والأدوية. جرى التوقيع في 2 أيلول 2020، وهي تضم الشروط نفسها المنصوص عليها في الاتفاقيتين السابقتين. قدّمت «فوو» عرضاً تجارياً إلى مصرف لبنان، يتضمن تكلفة المشروع البالغة 409 آلاف دولار أميركي، إضافة إلى 57 ألفاً و260 دولاراً أميركياً لتغطية الصيانة وأعمال الدعم، يبدأ دفعها بعد إطلاق عمل المنصّة. وهذا المبلغ لا يشمل التكاليف الأخرى التي قد يتمّ تكبدها، كالتعاون مع شركات أخرى لتنفيذ أعمال الحماية للتطبيق الإلكتروني والمنصة، ورسوم الاستضافة التي اتفقت «فوو» مع شركة «كابيتال أوت سورسينغ - Capital Outsourcing» للقيام بها. وكما في العقود السابقة، لا تقبل «فوو» إلا الدفع بالدولار الأميركي «الطازج»... من أموال المودعين.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا