كان لافتاً أن يتوجه قائد المنطقة الشمالية في جيش العدو، اللواء أمير برعام، في كلمته إلى الشعب اللبناني، في الوقت الذي كان يلقي قبل أيام خطاباً أمام جنوده، ويؤكد لهم المفاهيم التي ينبغي أن ينظروا من خلالها إلى حزب الله. ومع أنه ليس مفاجئاً أن يواصل قادة العدو حملاتهم السياسية والإعلامية والنفسية ضد الحزب، إلا أن ما كان لافتاً هو أن برعام استخدم المفردات نفسها التي يتم الترويج لها في لبنان في مواجهته. توجه الى اللبنانيين باللغة العربية قائلاً إن «حزب الله احتلال إيراني للبنان». وعمد أيضاً إلى مخاطبة اللبنانيين بالقول إن الأمين العام لحزب الله السيد حسن «نصر الله لا يهتم بكم!».بعيداً عما سيحققه هذا الخطاب من نتائج، وفي أي ساحات، وتحديداً عندما يصدر عن قائد جبهة جيش العدو مع لبنان وسوريا، تندرج هذه المواقف ضمن الحملة المتواصلة التي يشنها قادة جيش العدو بهدف تشويه صورة حزب الله وحقيقة الدور الذي يلعبه في لبنان، عبر حملة مدروسة في مضمونها ومفرداتها. وهو أمر مفهوم باعتبار ذلك جزءاً من أدوات الحرب التي تخوضها «إسرائيل» ضد أعدائها، وخاصة عندما يتعلق الأمر بحزب الله الذي أذلّ جيش العدو وغيّر معادلات الصراع.
وتندرج أيضاً هذه السياسة الدعائية التي يتقاطع فيها بعض الداخل اللبناني مع الخارج الإقليمي والدولي، ضمن الحروب البديلة والموازية ضد حزب الله. فبحسب دراسة صادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب («الأخبار»، 22 تشرين الأول 2020) فإن «الصراع على الوعي السياسي هو جزء من معركة تديرها إسرائيل، بهدف إضعاف حزب الله وكبح نشاطه ضدها». ولهذه الغاية يضيف المعهد أن «إسرائيل» تعمل «إزاء مختلف شرائح الجمهور في لبنان وأمام مختلف الجهات في الساحة الدولية وفي العالم العربي».
لا يمكن تجاهل هذا المستوى من التطابق في المضمون واللغة والتوقيت، من دون طرح تساؤلات عن الدلالات التي ينطوي عليها هذا الأمر، وتحديداً ما يتّصل بالأوصاف والتهم التي يتم الإصرار على تكرارها وبأساليب متنوعة، وعلى ألسنة شخصيات في لبنان، وفي كيان العدو، على لسان قائد المنطقة الشمالية في جيش الحتلال وغيره من القادة والخبراء. ومن الواضح أن هناك عدم اكتراث من قبل قادة جيش العدو، وأيضاً من قِبل بعض من في الداخل اللبناني، في إظهار هذا المستوى من التطابق والتكامل بين الطرفين في الموقف والخطاب السياسي والإعلامي ضد حزب الله.
في هذا السياق، تكفي إطلالة عامة على ما يتم تكراره هنا في لبنان وهناك في كيان العدو، لاكتشاف حقيقة أن المسألة ليست تقاطعاً عَرَضياً بين مواقف متبعثرة. بل هي جزء من أداء ووتيرة مدروسة تهدف إلى زرع مفاهيم مُحدَّدة لدى الرأي العام، خاصة بعد فشل رهانات وأساليب المرحلة الماضية... وأيضا ترجمة لما سبق أن أوصت به جهات مختصة في كيان العدو (معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب) بضرورة «مواصلة الجهد على مستوى الوعي بشكل دائم ومكثَّف أمام حزب الله، عبر أدوات علنية وسرية، مع تنسيق الرسائل حيال مختلف الجماهير المستهدفة»، بعدما أقرت الدراسة أيضاً أن «إسرائيل نجحت جزئياً فقط. وهي تجد صعوبة في التأثير على الجمهور الشيعي الموالي لحزب الله، وأيضاً على أجزاء أخرى من السكان...».
في ضوء ذلك، يصبح التساؤل ضرورياً في تفسير هذه الظاهرة الممتدة، هل هو نتاج عقل جمعي تبلور بالاستناد الى تطابق في النظرة والأولويات والمصالح مع كيان العدو فيما يتعلق بحزب الله، أم أنه أبعد من ذلك أيضاً. وإلا كيف يمكن تفسير هذه المعزوفة التي تتحكم بإيقاع الخطاب ووتيرته وتنتقي المفردات نفسها، وتتكامل في التوقيت؟ فكما هي الحال في الهجمات العسكرية التي ينبغي أن يتم تنسيقها من كل الجهات حتى تحقق أهدافها، الأمر نفسه يتم في الهجمات السياسية والإعلامية على حزب الله من الداخل اللبناني والخارج الإسرائيلي.
في هذا السياق، ضخ قائد المنطقة الشمالية في كلمته، خلاصة المفاهيم التي يتم العمل على ترويجها وتشكل ركناً أساسياً في الخطاب السياسي الدعائي الذي يستهدف حزب الله، فشدد على أن «حزب الله احتلال إيراني للبنان». ينبع هذا الترويج، في أحد جوانبه، من التحدي الذي تواجهه «إسرائيل» مع حزب الله وتحالفاته الإقليمية التي وظفَّها في تحرير لبنان وفي إنتاج مظلة ردع استراتيجي له غير مسبوقة في تاريخ الصراع مع العدو.
هذا الواقع، كان ولا يزال يشكل عقبة جدية أمام محاولات تشويه صورة المقاومة. وتدرك تل أبيب أن الإقرار بهذه الحقيقة يٌقوِّض لها كل جهودها ضده. وبرز هذا الأمر جلياً عندما توجه برعام أيضاً في الكلمة نفسها الى الشعب اللبناني أيضاً بالقول: «الدرع الحقيقي لكم ليس حزب الله». ويكشف ذلك عن قناعة راسخة لدى القيادة الإسرائيلية حول ضرورة استبدال صورة حزب الله في وعي الشعب اللبناني، بصورة تخالف واقعه. ومن هذا المنطلق يتم الحديث عنه بلغة أنه وكيل أو قوة إيرانية في لبنان. وأنه يخوض الصراع مع «إسرائيل» خدمة لمصالح إيرانية. وتجدر الإشارة أيضاً أن هذا المفهوم بالذات سبق أن أصَّل له برعام في مقالة في مجلة الجيش (معرخوت / نيسان 2019)، قبل أن يتولى منصبه بوقت قصير، دعا فيها الى ضرورة التركيز على أن «الصراع الذي يخوضه (حزب الله)، ويقدم فيه نفسه حامياً للبنان، يتم فعلياً بتعليمات إيران وبالسلاح الذي تقدمه له»، مشيراً إلى أن الهدف من ذلك هو «مواجهة حزب الله وإضعاف موقعه ومكانته في لبنان».
«يجب أن يتم نقل الرسائل التي يُراد الترويج لها عبر جهات غير محسوبة على إسرائيل... وسط الجمهور اللبناني»


وحاول برعام أيضاً في الكلمة التي ألقاها أمام جنوده، أن يُشكِّك بالصورة المتشكلة عن حزب الله لدى جمهور واسع في لبنان حول الدور الاجتماعي والسياسي الذي يؤديه، فتوجه إلى اللبنانيين بالقول أيضاً إن السيد «نصر الله لا يهتم بكم». وهو ما يدفع إلى التساؤل عن مدى اليأس الذي بلغ بالقادة الإسرائيليين، كي يلجأوا إلى هذا النوع من الخطاب. إذ كيف يمكن لهذه الكلمات، وغيرها من حملات الترويج أن يكون لها أثرها الجدي والواسع (سوى لدى الذين لديهم موقف مسبق)؟
مع ذلك، يبدو أن كيان العدو لديه أكثر من مقاربة حول كيفية تشويه صورة حزب الله وشنّ الحملات السياسية والإعلامية عليه، والدور الذي ينبغي أن تؤديه تل أبيب. فقد سبق أن أكدت جهات مختصة في كيان العدو (الدراسة المشار إليها عن معهد أبحاث الأمن القومي) محدودية تأثير أي دور مباشر لـ«إسرائيل» في هذه الحملة، فشددت على ضرورة أن يتم نقل الرسائل التي يراد الترويج لها «عبر جهات غير محسوبة على إسرائيل... وسط الجمهور اللبناني ووسط الممتعضين من حزب الله». ولكن على ما يبدو أيضاً، أن هناك وجهة نظر أخرى في كيان العدو، وهي التي يتم تطبيقها، ترى أن «إسرائيل» يمكن أن تؤدي دوراً محدداً يتكامل مع الأدوار التي يقوم بها آخرون، ولكل من هؤلاء جمهوره المُستهدَف، وخطابه وأدواته.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا