«ثروة رياض سلامة تحت مجهر العدالة الفرنسية». تحت هذا العنوان، نشرت جريدة «لو موند» الفرنسية، أمس، تقريراً عن شكوَيَين مُقدّمتين إلى مكتب المدعي المالي الوطني الفرنسي في باريس ضدّ حاكم مصرف لبنان. التُهمة هي نفسها التي وردت في نصّ الدعوى المُقدّمة ضدّه في جنيف وفي الشكوى أمام الشرطة البريطانية: الحاكم مُشتبه فيه باختلاس وتبييض الأموال والاحتيال والممارسات التجارية الخادعة... في عمليات ارتكبها داخل لبنان وخارجه. ولفتت «لو موند» إلى أن الرجل الذي يُنظر إليه من قبل شريحة كبيرة من اللبنانيين «كأحد المسؤولين الرئيسيين عن إفلاس الدولة وانهيار العملة الوطنية، التي فقدت منذ خريف 2019 نحو 90% من قيمتها ودفعت بأكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر»، يمتلك «أصولاً وأملاكاً ضخمة في أوروبا». ويتّهم نصّا الشكويين سلامة «الحامل للجنسية الفرنسية، بتكوين إرث من مئات ملايين اليورو بطريقة غير قانونية»، وأنّ ما جمعه «لا يتناسب مع رواتبه الرسمية وأجوره»، ما يؤكّد «وجود غسل أموال».ووُجّهت أصابع الاتهام أيضاً الى كل من ندي سلامة، نجل الحاكم، وشقيقه رجا، و«معاونته الأقرب»، ماريان حويك التي خصّها نصّ الشكوى الثانية بـ«حصة وافرة»، كونها دخلت إلى مصرف لبنان «كمُتدرجة في 2003، لتتمكن في الـ 2013 من شراء شقة في باريس بقيمة 1.8 مليون يورو». كما أنها تملك حصصاً في الشركة البريطانية «Lemon Three»، التي قُدّرت أصولها عام 2018 بـ 2.3 مليون دولار.
سلامة نفى لـ«لو موند»، عبر محاميه الفرنسي، أن تكون «أي سلطة قضائية، إن كانت في فرنسا أو في الخارج، قد أكّدت لنا المعلومات المُنتشرة».
المُحامي أنطوان ميزونوف، مُقدّم الشكوى الأولى في 16 نيسان الماضي، ينتمي إلى مؤسّسة «Accountability Now» السويسرية (أسّسها لبنانيون في الخارج، وتُعرّف عن هدفها بأنّه «دعم المجتمع المدني اللبناني في الوصول إلى وضع حد لتهرّب المسؤولين من العقاب»). ودُعّمت الشكوى بمواد وتحقيقات أجرتها «Accountability Now»، كشفت عن «شبكة من الحسابات والشركات الاستثمارية في الجنّات الضريبية، تُدار من قبل أشخاص صُوريين، كنجل سلامة، ندي، فيما المُستفيد منها هو رياض سلامة». وذكرت «لو موند» أنّ حاكم البنك المركزي كان على مدى «ربع قرن يُشجّع اللبنانيين في الخارج على استثمار مدخراتهم في لبنان، مادحاً قوّة المصارف المحلية، فيما كان يتصرّف بأمواله الخاصة عكس ما يدعو إليه تماماً. هو يملك ثلاث شركات قابضة في لوكسمبورغ تُقدّر قيمة أصولها بـ 94 مليون دولار، استثمرت في أنحاء عديدة من أوروبا: ميونيخ، مكاتب لندن، ليدز». وتُضيف محامية «Accountability Now» زينة واكيم أنّ سلامة يملك عقارات في فرنسا تُقدّر بـ 35 مليون يورو اشتراها بعد تعيينه في منصبه، فيما محاميه ينفي المعلومة مشيراً الى أنه «لا يملك إلا عقارين في باريس تملّكهما قبل وصوله إلى منصبه».
أما الشكوى الثانية، فقد قدّمها في 30 نيسان المُحامِيان ويليام بوردون وأميلي لوفيفر، بوكالتهما عن مُنظمتَي «شيربا ــــ Sherpa»، ومجموعة «ضحايا الممارسات الاحتيالية والإجرامية في لبنان»، وهي عبارة عن تجمّع يضم لبنانيين وفرنسيين يعتبرون أنفسهم من ضحايا النظام المالي اللبناني، و«يُريدون تسليط الضوء على الفساد المُستشري في لبنان»، بحسب وصف الصحيفة الفرنسية. استندت الشكوى الثانية إلى تقرير أعدّته منظمة «OCCRP» ونشرته بالتعاون مع موقع «درج»، والتحقيق القضائي الذي يُجريه المدعي العام السويسري، والشكوى التي رفعتها «غيرنيكا 37» أمام الشرطة في بريطانيا.
مُنظمة «Sherpa» للمحاماة تأسّست في فرنسا سنة 2001، من قبل ويليام بوردون، وتعتبر أنّ هدفها «الدفاع عن ضحايا الجرائم المالية وحمايتهم». ويتضمن برنامجها تعقّب التحويلات المالية غير القانونية، العولمة وحقوق الإنسان، توفير المساعدة القانونية والأبحاث. عام 2017، رفعت دعوى ضدّ مصرف «بي أن بي باريبا» الفرنسي، بتهمة التواطؤ في الإبادة الجماعية في رواندا. المنظمة غير الحكومية أدّت دوراً في إدانة رفعت الأسد، عمّ الرئيس السوري بشّار الأسد، بتهمة غسل واختلاس الأموال في فرنسا، تماماً كما فعلت مع عدد من رؤساء الدول الأفريقية. وكتبت عن التدفقات المالية غير المشروعة في قطاع الموارد الطبيعية وعمل الشركات الفرنسية في استخراج المواد الخام في أفريقيا، وقدّمت شكوى ضدّ شركة «لافارج هولسيم» بتهمة تمويل الإرهاب في سوريا.
تُشكّل «Sherpa» جزءاً من «التحالف الأوروبي لعدالة الشركات (ECCJ)»، ومن منظمة «الشفافية الدولية لمكافحة الفساد». في2019، رفضت وزارة العدل الفرنسية تجديد الموافقة الرسمية لـ«Sherpa» التي تسمح لها بأن تكون طرفاً مدنياً معنياً برفع قضايا ضدّ الفساد والجرائم المالية، كما حُفظت قبل نحو شهر دعوى رفعتها المنظمة ضدّ شركة «سامسونغ» حول ما تصفه «ممارساتها التسويقية الخادعة وانتهاكات حقوق الإنسان فيها، وخصوصاً ضدّ النساء».
نشاط المنظمة في «مكافحة الجرائم المالية» لا يعني أن سجّلها ناصع تماماً. ففي كانون الأول 2018، طُرحت علامات استفهام حول العلاقة بين «Sherpa» ورجل الأعمال الموريتاني محمد ولد بوعماتو. المليونير المعارض للرئيس محمد ولد الغزواني أقام نحو عشر سنوات في المنفى، ونشرت دوريات فرنسية معلومات عن «استفادته» من منظمة «Sherpa» لفتح ملفات ضدّ النظام الموريتاني «والعشيرة الحاكمة». ونقلت أسبوعية «لو جورنال دو ديمانش» الفرنسية عن رسالة إلكترونية مُرسلة من المحامي ويليام بوردون إلى بوعماتو في كانون الثاني 2014، يبحث فيها تكاليف التحقيقات التي أجرتها «Sherpa» حول عمل إحدى شركات التعدين الكندية العاملة في موريتانيا، وقضية أخرى... «في المجموع دُفع 100 ألف يورو لهذه المنظمة غير الحكومية». وتُضيف «لو جورنال دو ديمانش» بأنّ بوعماتو هو أحد «المُتبرعين الأسخياء لـ Sherpa، ممن لا تزال قائمتهم سرية، رغم اعتراف رئيس المنظمة ويليام بوردون، بأنّ جورج سوروس هو أحد مموّليها». وسوروس ملياردير راكم ثروته من «الريع»، وتسبّب بإفلاس البنك المركزي في بريطانيا بسبب تلاعبه في سوق سعر العملة، مُجبراً المملكة المتحدة على الانسحاب من آلية التبادل الأوروبي، قبل أن يعود لـ«يُنظّف أمواله» بالترويج لأعمال الخير. علاقة سوروس بـ«Sherpa» تعود إلى عام 2007.
لم تتوقّف «تحديثات» رياض سلامة أمس على الشكويين المقدمتين ضدّه، فقد أُعلن أمس عن إطلاق منصّة «Alert Lebanon»، بدعم من عدد من المجموعات؛ بينها «Sherpa» ومنظمة «الشفافية الدولية»، تهدف إلى جمع المعلومات عن الاختلاسات المرتكبة في لبنان، في كلّ القطاعات، والتحقّق منها. مكافحة الفساد هي العصا المُستخدمة ضدّ لبنان وسياسييه والمسؤولين فيه، فقد نشر الصحافي الفرنسي في «لو فيغارو» الفرنسية، جورج مالبرونو مقالاً كان يُفترض نشره، حول تفاصيل العقوبات الفرنسية وكيف أرادت فرنسا، منذ أشهر، فرض عقوبات على مسؤولين فيه تتهمهم بعرقلة الجهود السياسية، وتحديداً رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، من دون أن تنال إجماعاً داخل الاتحاد الأوروبي. ونقل مالبرونو عن خبير اقتصادي «مُطلع على الوضع في لبنان» أنّ الطريقة الوحيدة لفرض ضغوط على السياسيين اللبنانيين «هي في تجميد أصولهم المالية والعقارية»، لافتةً إلى أنّ سعد الحريري ووليد جنبلاط ورياض سلامة وغيرهم من المسؤولين تملّكوا في فرنسا. مالبرونو الذي نشر نسخة عن المقالة على صفحته على تويتر، ولم تُنشر على موقع الجريدة، «نصح» بأن تمتلك فرنسا «الإرادة السياسية لفرض عقوبات حقيقية، وخاصة على حلفاء تاريخيين لها مثل سعد الحريري».



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا