عدّل متجر ألبسة وأدوات رياضية لبناني «واسع الانتشار»، من سياسة التسوّق عبر موقعه الإلكتروني. فألغى التسعير بالليرة اللبنانية، مُبقياً على عَرض الأسعار بالدولار الأميركي، مُعلناً في الوقت نفسه أنّ من يُريد التسوّق إلكترونياً عليه الدفع إمّا نقداً بالدولار الأميركي عند التوصيل، أو عبر بطاقات ائتمان دولية. أما في حالة التسوّق داخل المتجر، فيُقبل الدفع بالليرة اللبنانية، بحسب سعر السوق اليومي للتبادل بالدولار. «الشفافية» التي اعتمدها متجر الرياضة بإعلان سياسته الجديدة على رأس صفحته الإلكترونية بطريقة واضحة، لا تحجب المخالفة الفاقعة لقانون النقد والتسليف وقانون حماية المُستهلك التي ارتكبها، بمُجرّد امتناعه عن التسعير وقبول الدفع بالليرة، حتى ولو كان عبر الموقع الإلكتروني، طالما أنّ القانون لم يُفرّق بين مُختلف منصّات التجارة.المُخالفة لدى متجر الرياضة ليست محصورة به، بل بدأت تتوسّع لدى عددٍ من التجّار والمستوردين، ممّن يرفضون أن يدفع المُستهلك بالعملة الوطنية. ومن يتكرّم و«يُساير» الزبون، يُقدّم له «عرضاً» بالدفع مناصفةً بين الدولار النقدي والليرة. هذه «الظاهرة» بدأت ترتفع في الأعمال التجارية التي قد يعتبرها البعض «ثانوية» لأنّها لا تتصل مُباشرةً بتأمين الحاجات الرئيسية للسكّان، وبالتالي لا ترتفع النقمة تجاه مخالفاتها وتُثير ضجّة، كما سيحصل لو أنّها امتدّت إلى قطاع التغذية أو الاستشفاء أو الطاقة. تنتشر بشكل خاصّ في كلّ ما له علاقة بقطاع البناء من مورّدين وتجهيزات صحية وأدوات وبلاط... بعض محال الأقمشة تقوم بذلك أيضاً، وإلى جانبها محالّ مفروشات. عددٌ من تجّار قطع غيار السيارات والمولدات يرفضون بيع القطع والزيوت المُخصّصة لتشغيل الآلات إلا بالدولار النقدي. حتى إنّ بعض المراكز الصحية تشترط الدفع بالدولار لقاء الخدمات التي تقدّمها. وآخر المُنضمّين إلى هذا «الحزب» هم بعض المتاجرين باللقاحات ضدّ وباء كورونا، بعدما حدّدوا سعره بالعملة الأجنبية ورفضوا تقاضي ثمنه حتّى وفق سعر صرف السوق. الشرط مفروض على السكّان، وأيضاً على إدارات عامة طلبت شراء اللقاح الروسي، على أن تدفع ثمنه بالليرة اللبنانية بحسب سعر السوق، لكنّ الشركة الخاصة أصّرت على القبض بالدولار.
استبدادٌ تجاري يُمارسه هؤلاء التجار والمُستوردون من خلال اعتمادهم منطِق: «إذا مش عاجبك... ما تشتري»، واضعين المُستهلكين بين خيارَين، واحد غير أخلاقي برفض توفير السلعة لأسباب «تسلطية»، والثاني غير قانوني بفرض مُمارسات شاذّة يُبرّرونها بالأزمة النقدية التي يُعانيها سكّان البلد. أما الثابت في الحالتين، فهو غياب المراقبة والمحاسبة من قبل السلطات المعنية، وفي طليعتها وزارة الاقتصاد والتجارة.
الحبس والغرامة المالية هما عقاب من يرفض البيع بالعملة الوطنية


قبل بروز المخالفة لدى القطاعات التجارية، كانت شركتا الخلوي ترفضان تسديد المُشتركين فواتير الهاتف بالليرة، إن كانت «موطّنة» لدى المصارف، علماً بأنّ الاتصالات تُعدّ خدمة يتمّ توفيرها للسكّان، وجزء من «أرباحها» يصل الى الخزينة العامة. شركة طيران الشرق الأوسط، التي يملك مصرف لبنان غالبية الأسهم فيها وتحصل على قروض مدعومة من المال العام، توقّفت أيضاً، بصورة ملتوية، عن التعامل بالليرة. وفي كلّ هذه الحالات، تُستخدم المادة 192 من قانون النقد والتسليف التي تنصّ على أنّه «تُطبّق على من يمتنع عن قبول العملة اللبنانية بالشروط المُحدّدة في المادتين 7 و8 العقوبات المنصوص عليها بالمادة 319 من قانون العقوبات»، وهي الحبس من ستّة أشهر إلى ثلاث سنوات، وبالغرامة من 500 ألف ليرة إلى مليونَي ليرة. هذا بالنسبة إلى الدفع بالليرة، أما في خصّ التسعير، فتنصّ المادة الخامسة من قانون حماية المُستهلك على «إعلان الثمن بالليرة اللبنانية بشكلٍ ظاهرٍ بلصقه إمّا على السلعة أو على الرفّ المعروضة عليه».
يقول رئيس جمعيّة تجّار بيروت، نقولا شمّاس إنّ «الأغلبية تقبل الدفع بالليرة وخاصّة في القطاعات الأساسية كالسلّة الغذائية، إذا كان هذا الشرط يُطبّق في التجارة التي تُسمّى كماليات، فلا أستبعد ولكن لم تصلنا شكاوى من مُستهلكين». يؤكّد شمّاس أنّ قانونَي النقد والتسليف وحماية المُستهلك «يفرضان التسعير بالليرة وعدم رفض الدفع عبر العملة الوطنية، لذلك لا يوجد مخالفة لهما من قبل التجّار». ولكن الإجراءات الجديدة التي يلجأ إليها التجار، هي أنّه «بسبب الإجراءات المصرفية واضطرار التجّار إلى تأمين النقد بغية التمكّن من الاستيراد، يُجبرون على رفض الدفع عبر بطاقات الائتمان أو الشيك». أما بالنسبة إلى التوقف عن قبول الليرة، «وإذا تأكّدت هذه الظاهرة تكون بسبب عدم توفّر الدولار في السوق بسهولة، ليقوم التجّار بشرائه والاستيراد».
الظاهرة مؤكّدة بالإعلانات التي يقوم بها التجار وأصحاب المهن، والشكاوى التي تتلقاها وزارة الاقتصاد والتجارة، «ولا سيّما في ما خصّ قطاع الإلكترونيات»، يقول أحد المسؤولين فيها. يُفترض أن تتدخّل الوزارة لدى المخالفة، الأمر الذي لا يحصل، رغم إدراكها لمسؤولياتها: «إذا كان البائع يُسعّر السلعة بحسب السوق السوداء، فهذه ليست مُخالفة، ولكن نحن نتدخل إذا أصرّ على قبض الدولار نقداً».
ما يجري «غير قانونيّ على الإطلاق»، يقول رئيس جمعية حماية المُستهلك زهير برّو، «والقانون يُعاقب المُخالفين بالسجن». الضغط حالياً، ولا سيّما على وزارة الاقتصاد، ضروري من وجهة نظر برّو، داعياً المُستهلكين إلى «تقديم شكاوى لدى الوزارة والجمعية، لنُتابع الموضوع مع التجار». يسأل برّو أنّه لماذا في هذه الحالة «لا تُصرف المساعدات الإنسانية أيضاً بالدولار النقدي؟»، ولكن كلّ ما يجري ليس إلّا «نتيجة غياب الدولة عن المراقبة والمحاسبة، فتُصبح اللعبة بيد التجار الكبار والمُحتكرين والمصارف. كلّها سياسات مُدمّرة، بغياب أي خطّة بعيدة المدى للخروج من الأزمة».



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا