«سوليدير ستنتهي في عام 2019»، لافتة عُلّقت على حائط مبنى فندق سان جورج في بيروت، في إشارة إلى بلوغ الشركة المستوطنة لبيروت سنواتها الخمس والعشرين المحدّدة في مرسوم إنشائها الصادر عن حكومة رفيق الحريري. لكن لضمان استمرار عمل «سوليدير»، أصدرت حكومة فؤاد السنيورة في عام 2005، مرسوماً «استباقياً» قضى بتمديد عمل الشركة من 25 سنة إلى 35 سنة، أي حتى عام 2029. حصل ذلك بعد رفض الأكثرية اقتراح السنيورة بالتمديد لسوليدير 50 عاماً دفعة واحدة. ولأن الشركة تجاوزت حدود عملها بإعادة بناء وتطوير وسط بيروت بعد الحرب الأهلية، مُنحت الموافقة في عام 2007، على العمل خارج لبنان. كانت الحكومات والبرلمانات والعهود تتغيّر، ولكن تبقى «سوليدير» عصيّة على المسّ بامتيازاتها، رغم استيلائها على أملاك الدولة والمواطنين وحيادها عن الأسباب الموجبة لإنشائها. تلك الوقائع عُرضت في تقرير صادر عن المستشار المقرّر في مجلس شورى الدولة، القاضية ريتا كرم. وبناءً عليه، رأت القاضية وجوب إبطال المرسوم الرقم 15909 الصادر بتاريخ 12/09/2005 والمتضمن تعديل المادة الرابعة من النظام الأساسي لشركة سوليدير، على اعتبار أن هذا المرسوم غير قانوني، ووجوب التقيّد بعمر الشركة الرئيسي الذي يفترض أن يكون انتهى في عام 2019». قرار كرم جاء بناءً على مراجعة من صاحب فندق السان جورج فادي خوري بصفته أحد الذين اعتدت سوليدير على أملاكهم وحاولت الاستيلاء عليها، إذ يخوض خوري مذّاك معاركَ قانونية مع الشركة عبر دعاوى مُقدمة إلى مجلس شورى الدولة.تقرير المستشار المقرّر في الغرفة الأولى ريتا كرم ليس حكماً مبرماً بل هو تقرير أولي يستوجب صدور آخر نهائي للبتّ في الحكم. 4 أشهر مرّت على هذا التقرير، من دون أن يكون قد صدر قرار نهائي عن مجلس شورى الدولة. ما استجدّ أخيراً هو نقل رئيس «الشورى»، القاضي فادي الياس، الملف من يد الغرفة الأولى التي يترأّسها بنفسه (كرم هي أحد المستشارين)، إلى مجلس القضايا (يرأسه الياس أيضاً) المؤلَّف من رؤساء غرف مجلس الشورى وثلاثة مستشارين يختارهم رئيس المجلس في بداية كل سنة قضائية. وتصدر القرارات بالتصويت.
متابعون للقضية يضعون عدة علامات استفهام حول تحييد القاضية كرم ونقل الملف من الغرفة الأولى وهي غرفة قضاء الإبطال، إلى مجلس القضايا. يتحدث هؤلاء عن ضغوطات يقوم بها رئيس مجلس إدارة الشركة ناصر الشماع منعاً لتصفية سوليدير وعودة الحق إلى أصحابه والأملاك العامة والبحرية إلى الدولة والشعب. بينما يؤكد أصحاب الرأي الآخر أن إجراء رئيس مجلس شورى الدولة قانوني، بحيث لديه كامل الصلاحية وفق المادة 44 من نظام المجلس بإحالة الدعاوى إلى مجلس القضايا في أي مرحلة من مراحل المحاكمة. وفي هذه الحالة تُرفع يد الغرفة عن الدعوى حكماً. أما رئيس المجلس القاضي فادي الياس، فيقول في ردّ على سؤال «الأخبار» إن «التقرير ليس نهائياً ويحتاج إلى تعليق الطرفين عليه، فالمسار لا يزال طويلاً لصدور الحكم النهائي». لكن لماذا جرى نقل الملف من الغرفة الأولى إلى مجلس القضايا؟ «كل الملفات التي تتعلق بصاحب فندق السان جورج أحيلت إلى المجلس»، يجيب الياس، «لأن هيئة القضايا (التي تُصدر الأحكام في القضايا المحالة إلى مجلس القضايا) هي أعلى هيئة قضائية، فضلاً عن أن فادي خوري (صاحب الـ«سان جورج») نفسه تقدّم بطلب نقل بعض ملفاته إلى الهيئة. لذلك أحلناها جميعها». وعن الإجراءات المقبلة في ملف سوليدير، يلفت الياس إلى أنه «سيتم تعيين مستشار مقرر جديد ليصدر تقريراً ثانياً يجري نشره مع إعطاء مهلة للتعليق». بناءً على ذلك، ثمّة من يتخوّف من «تنييم» الملف أو ردّه كما كان يحصل سابقاً لتبقى سوليدير جاثمة على صدر المدينة. ففي الغرفة الأولى، القاضية كرم واحدة من القضاة الذين كانوا سيُصدرون الحكم. أما في هيئة القضايا، فالغلبة لأصوات قضاة محسوبين على القوى الراعية لـ«سوليدير»، وعملوا منذ سنوات على منع المسّ بها. وهنا يدور تساؤل واحد حول اتخاذ إجراء النقل بعد صدور تقرير المستشار المقرّر وليس منذ البداية، وعَمَّ إذا كان استعمال رئيس المجلس صلاحياته لنقل الدعوى يأتي خدمة لمحتلي بيروت، خصوصاً أنه يرأس الغرفة الأولى حيث صدر القرار ويشكل بنفسه ضمانة لصدور حكم عادل؟
خوري: نقل كل الملفات دفعة واحدة إلى المجلس أمر مُثير للريبة


من ناحيته، يشير صاحب فندق السان جورج فادي خوري إلى أنه «طلب من رئيس مجلس الشورى ردّ (تنحية) القاضييْن سميح مداح وطلال بيضون ونقل الدعاوى الـ11 التي تقدّمتُ بها، من الغرفة الثانية إلى مجلس القضايا من دون أن يستجيب». جلّ ما حدث هو ردود وردود مقابلة بين رئيس المجلس والغرفة الثانية بهدف إغلاق الملف. ويشير خوري إلى أن هذين القاضيين أصدرا ثلاثة أحكام ضده لمصلحة سوليدير، «وكان من المنطقي طلب ردّهما. لكن ما هو مثير للريبة نقل كل الملفات دفعة واحدة بما فيها دعوى إبطال التمديد لسوليدير إلى هيئة القضايا من دون إعلامنا، وقبل أن تردّ الدولة والخصم أي سوليدير». وبالتالي، على رئيس مجلس الشورى اليوم مسؤولية الإسراع بالبتّ بدعوى إبطال التمديد ضمن المهل القانونية، إذ بدأت إشارات تبديد المهل و«تنييم» الملف تظهر.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا