لعلّها الصدفة أو هو الحظّ السيئ بأن تأتي ذكرى 14 شباط هذا العام مُلاصقة لحدثين: زيارة قام بها رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري لباريس، التقى خلالها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعاد منها «بلا ولا شي»، وزيارة أخرى لبعبدا جمعته برئيس الجمهورية العماد ميشال عون، خرج منها أيضاً «بلا ولا شي». ففي مثل هذه الذكرى (الـ 16 لاغتيال الرئيس رفيق الحريري) يتوجّب على وريثه السياسي إلقاء خطاب بالمناسبة، يتناسب تماماً مع السياق. والسياق الراهن، ليس أدلّ عليه من الجلسة «السيئة» التي شهدها القصر الجمهوري، أمس، وعبّر عنها الحريري للمحيطين به بالقول «لن أتراجع ولن أتنازل ولن أخسر في هذه المعركة».المنطِق يقول إنه على مستوى هذا السقف الذي يرفعه الحريري، سيأتي موقفه يوم غد الأحد. وهو بخلاف مواقفه قبل انقطاع حبل سرّة التسوية مع عون، حين كان ينهمك بالتبرير لها «حفاظاً على البلد»، مُستعيناً بجملة واحدة طول سنوات «المساكنة» مع العونيين بأن «لو كان رفيق الحريري مكاني لكان فعل مثلما أفعل».
في أول ذكرى بعد انتخاب عون، استعان الحريري بخطاب شعبوي عاطفي، قال فيه «فاوضنا وساومنا من أجل الحفاظ على الاستقرار»، وفي أول ذكرى بعد 17 تشرين كان خطاب الفصل مع التيار الوطني الحرّ والمعركة مع رئيسه جبران باسيل، أشار فيه إلى أنه «ليس مستعداً للتعامل مع رئيسَين». بعد سنة بالتمام، تحلّ الذكرى في وقت يجِد فيه الحريري نفسه مجدداً في صراع مع رئيسَين أيضاً «رئيس يحمل التوقيع، ورئيس ظلّ يعرقل تشكيل الحكومة». فأيّ خطاب سيحمله الحريري إلى جمهوره: خطاب المعركة ضد عون، أم خطاب المظلومية منه؟
على الأرجح، وفق ما تقول مصادر وادي أبو جميل إن «الحريري لن يُغيّر من موقفه الأخير في ما يتعلّق بالأزمة اللبنانية عموماً، وأزمة الحكومة على وجه الخصوص». هو، أي الرئيس المكلف، يعتبر هذه الذكرى «مناسبة لسرد تفاصيل كل المسار منذ لحظة تكليفه، مروراً بما سمعه خلال جولاته الأخيرة على عواصم عدة، وصولاً إلى أجواء اللقاء الأخير مع عون». تستبعد المصادر، في هذه اللحظة الحساسة، أن «يفتح الحريري معركة مع رئيس الجمهورية. أو الأصح رفع السقف عالياً، فالمعركة موجودة، لكنه لن يلجأ الى التوتير». سيأتي كلامه في إطار «المكاشفة والمصارحة»، مبنياً على مقاربات سياسية «انطلاقاً من معطى سقوط التسوية وما سبقها وتبعها من سياسات تعطيلية وكيدية».
سيرفع الحريري لاءاته المعروفة «لا لحكومة من 20 وزيراً. لا للثلث المعطّل ولا لحكومة يقرّرها باسيل». هذه الخلاصة، هي تقريباً ما أسمعها لعون يوم أمس، شادّاً أزرَه بدعم فرنسي، قال إنه حصل عليه خلال اجتماعه بماكرون، مردداً بأن «الفرنسيين أيضاً يرفضون شروط رئيس الجمهورية».
سيرفع الحريري لاءاته المعروفة «لا لحكومة من 20 وزيراً. لا للثلث المعطّل ولا لحكومة يقرّرها باسيل»


وفيما تأتي الذكرى هذا العام مع استمرار الجفاء في العلاقة الحريرية ــــ السعودية، سيحاول الرئيس المكلف إصلاح ذات البين. منذ أيام لم يتوقّف عن إطلاق مواقف مندّدة بالهجمات الصاروخية الآتية من اليمن، والتي يصفها بـ«الأعمال الإرهابية». وهذه المواقف ليست سوى استجداء لرضى سعودي لا يزال ينتظره الحريري لاكتمال غطاء الدعم له في معركته الحكومية. فحتى لو فتحت باريس والإمارات والقاهرة وإسطنبول أبوابها عشرات المرات أمامه، لن يقوى الرئيس المكلف على تأليف حكومة فيما لو فشلت الوساطة الفرنسية في إقناع الرياض بمباركة الخطوة.
وكما في كل عام، سيكون لواقع تيار «المستقبل» حيّز من الكلمة، وخاصة أن حالة الضياع والتقهقر التي يعيشها مالياً وسياسياً وشعبياً لا مثيل لها. وقد زادها سوءاً 17 تشرين الذي سمح بدخول وجوه جديدة الى البيئة السنية، وإن لم تستطع حتى الآن حجز مكان يُتيح لها سحب البساط من تحت تيار المستقبل، لكن لا شكّ أنها استطاعت أن تولّد حالة من الإرباك داخل صفوفه، التي شهدت «انشقاقات» بعضها الى صفوف الانتفاضة، وأخرى إلى صفّ بهاء الحريري.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا