عام 2019، عدلت 187 دولة عضواً في الأمم المتحدة اتفاقية بازل (أبرمت عام 1989) التي تحكم التجارة في المواد الخطرة، لتشمل النفايات البلاستيكية، وجعل التجارة العالمية بها أكثر شفافية وتنظيماً.التعديل على الاتفاقية دخل حيّز التنفيذ مطلع هذا العام، وهو يهدف - بحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) - الى جعل المحيطات أنظف في غضون خمس سنوات، ويسمح للدول النامية (مثل فيتنام وماليزيا) برفض النفايات المنخفضة الجودة التي تصعب إعادة تدويرها.
وكان البرنامج نشر تقارير عديدة أكدت أن التلوث الناجم عن النفايات البلاستيكية، المعترف به كمشكلة بيئية رئيسية ذات أهمية عالمية، وصل إلى مستويات وبائية مع وجود نحو 100 مليون طن من البلاستيك في المحيطات، بين 80% و90% منها تأتي من مصادر برية.
وانطلقت حملة عالمية عام 2016 انضمت إليها 1500منظمة بيئية، ركزت على النفايات البلاستيكية في المحيطات، على رغم أن دراسة «هانريش بل» الألمانية (2020)، تحت عنوان «أطلس البلاستيك»، أكّدت أن التلوث البلاستيكي للتربة أعلى بما يراوح بين 4 مرات و23 مرة من التلوث في المحيطات والبحار! فضلاً عن مخاطر تحلل الجزيئات البلاستيكية في المحيطات والبحار، والتي تنتهي في المأكولات البحرية، إضافة الى دراسات حديثة تشير الى أن التلوث البلاستيكي يزيد من تحمّض المحيطات، ما يتسبّب في زيادة انبعاثات غازات ثاني أوكسيد الكربون.
يتطلب التعديل الذي أدخل على اتفاقية بازل، من الآن فصاعداً، «إشعاراً مسبقاً» وموافقة خطية من البلدان المستوردة وبلدان العبور قبل شحن النفايات البلاستيكية لإعادة التدوير. كما يلزم الدول المصدرة بأن توضح إذا ما كانت الشحنة مختلطة أو ملوثة. وفي حال لم يُمنح الإذن بتسلّم البضائع، تبقى في بلدها الأصلي. وقد استثنت الاتفاقية خردة البلاستيك المصنفة مسبقاً والنظيفة وغير الملوثة والمرتبطة بإعادة التدوير، من متطلبات الموافقة المسبقة، لتشجيع تصدير المواد البلاستيكية الصالحة تجارياً لإعادة التدوير بدل رميها في المكبّات كما يحصل دائماً. وهو ما يحتاج الى مراقبة مشددة لا تشرح التعديلات آلياتها.
لماذا التركيز على البلاستيك في المحيطات مع أن المشكلة تبدأ في المصدر مع الشركات المصنّعة؟


وتهدف التعديلات إلى تكريس تكافؤ الفرص بين الدول الغنية التي تتخلص من نفاياتها البلاستيكية الملوثة وتلك الفقيرة التي تتلقّاها، إذ يجري في العادة بيع الشحنات التي تحتوي على مواد بلاستيكية ملوثة وغير قابلة لإعادة التدوير إلى الدول النامية. وبعدما توقّفت الصين، عام 2018، عن قبول النفايات الملوثة، وقع العبء على الدول النامية الأخرى. ووفقاً لتقرير لمنظمة «غرين بيس»، عام 2020، فإنه بمجرد تسلّم النفايات، غالباً ما يتم حرقها بشكل غير قانوني أو إلقاؤها في مكبّات النفايات والممرات المائية لأنها غير صالحة للاستعمال أو لإعادة التدوير.
وفي نهاية 2020، أصدر الاتحاد الأوروبي لوائح إضافية أكثر صرامة من تعديلات اتفاقية بازل، حظرت إرسال النفايات البلاستيكية غير المصنفة والتي يصعب إعادة تدويرها، إلى البلدان الفقيرة، فيما لم توافق الولايات المتحدة «الرائدة» في تصدير النفايات البلاستيكية على التعديل!
المشكلة في اتفاقية بازل وتعديلاتها أنها حصرت المسألة بـ«مشكلة تصدير» بين الدول المتقدمة والنامية، فيما هي في الواقع بين المنتج والمستهلك، أي بين حفنة من الشركات العالمية المنتجة وبقية شعوب العالم المستهلكة. وكان الأجدى بالاتفاقيات الدولية ذات الصلة ضبط إنتاج البلاستيك وانتشاره من المصدر، ليتحمل المنتجون والتجار والوكلاء والوسطاء المسؤولية عن منتجاتهم، وذلك عبر إيجاد آلية لإعادتها اليهم بعد الاستهلاك أو وضع ضريبة على تلك التي تستخدم لمرة واحدة مع سياسات للتخفيف وتشجيع إعادة التصنيع، والعمل على تغيير الثقافات الاستهلاكية وتشجيع إنتاج البدائل.
صحيح أن الاتفاقية خطوة أولى نحو وقف استخدام الدول النامية كمكب للنفايات البلاستيكية التي تنتجها الدول الغنية، الا أن مساعدة الدول على إيجاد استراتيجيات ووضع قوانين ضابطة وإدارة محلية سليمة ومتكاملة هي أكثر أهمية. فالتعديلات لا تزال تسمح بتداول البلاستيك المختلط مع المخلفات التي لا قيمة لها، ولا نعرف من يضمن وقف التجارة غير الشرعية حول العالم، كما يحصل في كل الملفات الشبيهة! كما أن التسرب البلاستيكي والبيئي في المحيطات والبحار مرتبط أساساً بالنقص في جمع النفايات أو انعدامه في أجزاء كثيرة من العالم، وليس بتصدير النفايات.
وصحيح، أيضاً، أن الاتفاقية تمنح الحق للدول التي تتلقّى النفايات البلاستيكية (المختلطة وغير المصنفة من مصادر أجنبية) برفض هذه الشحنات، بما يلزم دول المصدر بضمان صادرات المواد البلاستيكية النظيفة والقابلة لإعادة التدوير فقط... إلا أن ذلك لن يكون كافياً حتى لو زيدت نسب إعادة التدوير، لأن الأهم هو تقليص إنتاج البلاستيك في المصدر.
ومعلوم أن شركات عديدة متعددة الجنسية تتحكم في السوق العالمي للبلاستيك، وهي تقاوم منذ سنوات أي إجراءات لتغيير اتجاهات التصنيع والتنظيم، وتروّج لمنتجاتها البلاستيكية «السحرية» لإلقاء اللوم على المستهلكين الذين عشقوا معظم أنواع البلاستيك في استخداماته كافة. إلا أن المشكلة لا تحل إلا بتبنّي الدول استراتيجيات وقوانين تحمّل المصنّعين المسؤولية الأولى عن منتجاتهم. ولذلك لا تعتبر الحملات التي انطلقت عالمياً لرفع البلاستيك من البحار جوهرية، أو كافية على الأقل، لكون هذه المشكلة يفترض أن تعالج في المصدر أولاً، وفي طرق الإدارة في البر ثانياً.



ماذا عن الهواء والتربة؟

(هيثم الموسوي)

تهتم اتفاقية بازل أساساً بضبط نقل النفايات الخطرة عبر الحدود. لكن مشكلة النفايات البلاستيكية لا تختصر في تلويثها للبحار أو للتربة فقط (تلوّث التربة أعلى 23 مرة من تلوّث المحيطات)، إذ إنها تتسبّب، من خلال تصنيعها واحتراق نفاياتها، في تلوث الهواء وتغيّر المناخ. وورد في تقرير «هنريش بل» عن استخدام البوليستر (ألياف مصنوعة من النفط والغاز الطبيعي) في صناعة الملابس، بأن تصنيع قميص بوليستر يؤدي الى انبعاث ما بين 4 و7 كلغ من ثاني أوكسيد الكربون. ويشير الى أن تصنيع البلاستيك سيتسبّب في انبعاث ما يقارب 56 جيغاطن من ثاني أوكسيد الكربون بحلول العام 2050، ما يكلف من 10% الى 13% من ميزانية الكربون المتبقية للإبقاء على الاحترار العالمي دون 1,5 درجة مئوية (بحسب اتفاقية باريس المناخية).


إعادة التدوير 10%
بدأ الانتشار الضخم للبلاستيك في النصف الثاني من القرن العشرين مع اكتشاف إمكان استخدام أحد مخلفات صناعة البتروكيميائيات لتصنيع كلوريد البوليفينيل (pvc). ويشير تقرير «هنريش بل» الى إنتاج 9,2 مليارات طن من البلاستيك حول العالم بين عامي 1950 و2017، بمعدل طن لكل فرد يعيش على سطح الأرض. ويلفت الى أن أقل من 10% من كل انواع البلاستيك المستخدم أعيد تدويره. ومعظم هذا البلاستيك أحادي الاستخدام (لمرة واحدة) خصوصاً في التغليف (أي لاستخدامات غير جوهرية). ويعتبر التغليف المستهلك الأكبر للبلاستيك، وقد استهلك الاتحاد الأوروبي وحده عام 2018 أكثر من 1،13 تريليون قطعة، معظمها بلاستيكية، لتغليف الأطعمة والمشروبات.