مع ذلك، يبدو واضحاً أن من أهم ما يميز إنجازات حزب الله، ليس حصراً أنه استطاع أن يفرض وقائع ميدانية واستراتيجية... بل أنه نجح أيضاً في كيّ وعي مؤسّسات التقدير والقرار لدى العدو، وهو ما انعكس في نظرتهم وفهمهم وتقديراتهم للواقع وما ينطوي عليه من تهديدات وقيود كابحة. فبعد مضي أكثر من ستة أشهر على استشهاد أحد مقاوميه في سوريا، أقرّ التقدير الاستخباري بأنّ حزب الله لا يزال يملك التصميم والعزم للردّ على جيش العدو. وهو ما يؤشّر إلى حرص حزب الله على كبح أيّ تفكير لدى قادة العدو في التمادي في الاعتداءات، واستسهال استهداف مقاوميه في سوريا أو لبنان.
يأتي هذا الإقرار من قِبل المؤسسة الاستخبارية في الوقت الذي يعاني فيه لبنان من أزمات اقتصادية واجتماعية وصحّية متفاقمة. حضرت بعض تفاصيله في ما تم نشره من التقدير. وهذه الأزمات كان يُفترض بحسب الرهانات الإسرائيلية أن تشكل قيداً على حزب الله، وبالتالي تبلور فرصة تؤدّي إلى اتّساع هامش اعتداءات العدو. لكن تصميم حزب الله وعزمه على المواجهة بدّدا هذا الأمل والرهان.
لا تزال الصواريخ الدقيقة تمثّل التهديد الأكثر حضوراً على طاولة صنّاع القرار لدى العدو
وقد لفت رئيس الاستخبارات العسكرية، اللواء تامير هايمن، إلى أنه «رغم أن اقتصادات الشرق الأوسط في حالة تدهور و[تعاني من] وباء كورونا، لكن لم يتضرر مجهود بناء القوة في المنطقة». وضمن هذا الإطار لا تزال الصواريخ الدقيقة، كما في السنوات الماضية، تمثّل التهديد الأكثر حضوراً على طاولة صنّاع القرار في كيان العدو، وعلى رأس أولويات أجهزة الاستخبارات والجيش. واتّسمت مقاربة التقدير لهذا التحدي في السنة الحالية، بكونها نسخة مطابقة للمبادئ التي حكمت تقديرات السنوات السابقة، عبر الحفاظ على صياغة مُحدَّدة يبدو أنها تهدف إلى إخفاء المعطيات الجدية. وفي الأيام السابقة، تسرّبت إلى الإعلام الإسرائيلي «تقديرات» جيش الاحتلال بأن حزب الله بات يملك مئات الصواريخ الدقيقة. لكن التقدير الاستخباري لم يجارِ هذه التسريبات التي تتقاطع مع ما ألمح إليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. وهو أمر قد يكون مفهوماً في بعض خلفيّاته باعتباره جزءاً من سياسة تعتيم مدروسة لها سياقاتها ورهاناتها وأهدافها المتّصلة بالساحتَين الداخلية الإسرائيلية والإقليمية - الردعية.
وتناول التقدير الاستخباري سيناريو جولة «أيام قتالية» على الحدود مع لبنان، في أعقاب رد حزب الله. ولكن كما هي العادة في كل الساحات، يلقي العدوّ بالمسؤولية على قوى المقاومة، متجاهلاً حقيقة أن حزب الله هو في موقع المدافع والرد عن سيادة لبنان وأمنه. لكن هذا النوع من المقاربة يكشف عن أن مسعى العدو الأساسي يكمن في التأسيس لمعادلة ينفّذ فيها اعتداءاته من دون أن يتلقى ردوداً رادعة. وهو ما لم ينجح في تحقيقه حتى الآن.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا