يقول مسؤولون ماليون إنّ سلامة «لا يقدر، تقنياً، على أن يحصر إرسال الدولارات من الخارج بالمصرف المركزي». فالاتفاق مع البنك الدولي «نجح لأنّ القرض مُخصّص للدولة»، أما في حالة أموال النازحين والمستفيدين من برامجهم «فجُزء منها، وربما يكون الأكبر، لا يمر عبر الدولة، والحسابات مفتوحة لدى مصارف تجارية. بإمكان الأخيرة أن تعقد اتفاقاً مع المؤسسات الدولية، لتُرسل الأخيرة الأموال إلى حسابات المصارف في الخارج مثلاً، فلا يعرف حتى بوجودها مصرف لبنان». الحلّ الوحيد أمامه «في حال تعذّر الاتفاق، هو إجبار المصارف عبر إصدار تعميم. ولكنّ التجارب السابقة تُظهر تمرّد المصارف على التعاميم التي لا تُناسبها». إلا أنّ مصادر مُقرّبة من سلامة تقول إنّه بسبب «عدم وضع خطة مالية (سلامة كان شريكاً رئيسياً في إسقاط خطة حكومة دياب)، وتوافق سياسي لتشكيل حكومة تقود مفاوضات مع صندوق النقد، وعدم موافقة أحد في الدولة على وقف دعم استيراد السلع، من أين سيأتي بالدولارات؟ هو بحاجة إلى هذه الخطوة، ولا مُشكلة تقنية في تطبيقها». توقعات سلامة تُشير إلى إمكان «تحصيل ما يُقارب ملياراً و200 مليون دولار في السنة».
توقعات سلامة تُشير إلى إمكان تحصيل ما يُقارب ملياراً و200 مليون دولار في السنة
ليست الدولارات المُرسلة من المنظمات الدولية وحدها «هدفاً» لسلامة، بل إيرادات وزارة الخارجية والمغتربين بالدولار أيضاً. تقول مصادر الأخيرة إنّ «الرسوم القنصلية، التي ينصّ القانون على أن تُرسلها البعثات اللبنانية في الخارج (سفارات وقنصليات...) إلى بيروت كلّ ثلاثة أشهر، يحتفظ بها مصرف لبنان لديه ويُحوّلها إلى الخزينة العامة بحسب السعر الورقي الرسمي، أي 1515 ليرة لكل دولار. في مشروع الموازنة 2021، ورد اقتراح بزيادة هذه الرسوم». وتنتقد المصادر إقدام مصرف لبنان على هذه الخطوة، «في الوقت نفسه الذي يتأخر في تحويل الأموال إلى السفارات، ويتحدّث الوزير شربل وهبة عن بحث إقفال بعثات دبلوماسية. لكن لو جرى تنظيم التصرف بالرسوم القنصلية، لكانت غذّت كلّ بعثة دبلوماسية نفسها، وخفّفت استنزاف الدولارات من الداخل إلى الخارج».
رياض سلامة: دعم السلع الرئيسية مُستمر ستة أشهر
الدولارات التي يؤمّنها المصرف المركزي لاستيراد القمح والوقود والأدوية، ستستمر ما بين خمسة وستة أشهر. هذا ما أبلغه الحاكم رياض سلامة لمجلة «EuroMoney» البريطانية، المُتخصصة في الشؤون المالية والأسواق المالية العالمية. قال سلامة في مقابلته إنّه لن يكون قادراً على الاستمرار لفترة أطول من ذلك، و«أمله الوحيد هو في حصول خرق سياسيّ، يؤدّي إلى دعم لبنان مالياً، وإلى الاتفاق على برنامج مع صندوق النقد الدولي».
تصريح سلامة جاء في سياق تحقيق طويل أجرته المجلة عن القطاع المصرفي اللبناني والنظام المالي والسياسات التي اتخذها مصرف لبنان. ذُكر في التحقيق أنّه «كان يتم إخبار وسائل الإعلام الزائرة أنّ مصرف لبنان هو المؤسسة الوحيدة التي تعمل جيداً في لبنان، من الواضح الآن أنّ هذه كانت نصف الحقيقة». أسطورة سلامة والقطاع المصرفي باتت تتلاشى في «الغرب»، الذي غالباً ما يستعين به مديرو المصارف اللبنانية ومصرف لبنان لتسويق سياساتهم.
يشرح التحقيق أنّه منذ تشرين الأول 2019، «جمّدت المصارف اللبنانية، بموافقة المصرف المركزي، أكثر من 100 مليار دولار من الودائع بالعملات الأجنبية لمودعين من لبنان والخارج. وقد تبيّن أنّ ما كانت تُروّج له المصارف ليس حقيقياً». اعتبر التحقيق أنّ «ما كان يُعرف سابقاً - بسبب السرية المصرفية - بسويسرا الشرق، بات اليوم فنزويلا الشرق. لكن الفارق بين لبنان وفنزويلا، أنّ التضخم هناك بسبب سوء إدارة إيرادات النفط (لم يذكر المقال تأثير العقوبات الأميركية على الاقتصاد الفنزويلي، والمحاولات العديدة للانقلاب على السلطة)، بينما في لبنان السبب هو الاستغلال لقطاع مالي مُتضخم وغير متوازن. ورقياً، تبلغ المصارف نحو خمسة أضعاف حجم الاقتصاد». لذلك، تعتبر المجلة أنّ «تغيير إدارات هذه المصارف، يُعدّ خطوة أساسية وضرورية نحو استعادة الثقة في القطاع، وإثبات أنّ الأخطاء التي ارتكبوها لن تتكرر»، ناصحاً بأن يصغر حجم القطاع المصرفي على غرار ما حصل في قبرص وايسلندا.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا