بعد سنوات من التعب والمحاولات، «استسلم» آل حمود وباعوا «مستشفى غسان حمود الجامعي». خبر تحوّل إلى حدث كبير في المدينة، وفي الجنوب أيضاً. الأزمة المالية التي عصفت بآل الحريري، وسوء إدارتهم لمؤسساتهم، جعلاهم يهربون من مسؤولية الحفاظ على المركز الطبي الأكثر عراقة. والأمر نفسه يشمل أثرياء المدينة أيضاً... إلى أن قرّرت عائلة الدكتور غسان حمود عقد صفقة سمحت بإنقاذ المركز من الإقفال، وفتحت الباب أمام إعادة الاعتبار إليه، وكذلك لصيدا كمركز طبي رئيسي يتناسب وكونها عاصمة الجنوب.عملياً، أنقذت الصفقة المؤسسة من خطر الإقفال ومن براثن الديون والرهن للمصارف والدولة والجهات الضامنة وبعض السياسيين والأحزاب، وحافظت على عمل مئات الموظفين. لكنها فتحت سجالاً مقيتاً لأن المالكين الجدد ليسوا من «الأبناء الأصليين للمدينة»، علماً أن المستشفى، منذ إنشائه، شكّل قبلة للجنوب وإقليم الخروب.
عائلة عميس، الفريق الثاني في الصفقة، مثّلها جرّاح الدماغ والأعصاب إبراهيم عميس. الرجل يفهم واقع المدينة والحسابات السياسية والمحلية، لكنه يريد حماية خطوته التجارية والمهنية. نشرت عائلتا حمود وعميس بياناً يشرح بنود الصفقة التي تضمّنت الإبقاء على اسم المؤسسة كما هو والحفاظ على منزل الدكتور غسان حمّود في أحد طبقات المستشفى والتمسّك بالطاقم الوظيفي والطبي. مع ذلك، لن تبقى الخطوة شأناً عائلياً بين البائع والشاري، بل يخص عائلة صيدا الكبرى التي تعتبر نفسها شريكة في الملكية، توظيفاً واستشفاء. ردود الفعل الشعبية والسياسية كانت متوقّعة في المدينة - الضيعة الكبيرة. لذا حرص المعنيّون على التفاوض، منذ أيلول الماضي، بسرّية تامة، لكي لا تتأثر العملية بالمناخ السام الذي أثّر على موقع صيدا الوطني.
منذ عام 2014، وإثر تدهور حالته الصحية وانقطاعه عن العمل، نقل غسان حمود ملكية أسهم المؤسسة لابنتيه زينة وديانا وزوجيهما. لكن مقربين من العائلة يؤكدون أنه «لا يزال في كامل وعيه ويُبلّغ بالمستجدات كلها». وأنه، بعد إتمام الصفقة، استقبل المالك الجديد في منزله، و«كان راضياً عن حسن اختيار المالكين الذين تربطه معرفة بكبارهم».
مع الإعلان عن بيع المستشفى، ساد القلق بين الموظفين الذين سرعان ما تلقّوا تطمينات. وقبل توقيع الصفقة رسمياً، عرض عميس المساهمة في دفع رواتب الموظفين المتأخرة منذ شهرين.
المباني الثلاثة المتّصلة التي تؤلف المستشفى فيها كثير من العتب. «ليت الناس الذين يدّعون اهتمامهم بالمستشفى وقفوا معنا في أزمتنا»، يقول أحد الموظفين القدامى. فللمركز في ذمة وزارة الصحة والجهات الرسمية الضامنة ملايين الدولارات. وهناك لائحة طويلة (وزراء ونواب وأحزاب) ممن استفادوا من خدماته ووقفوا متفرجين عليه يغرق من دون أن يبادروا إلى تسديد الديون المستحقة عليهم. في مقدم هؤلاء آل الحريري الذين تُقدّر ديون المستشفى في ذمتهم بمئات آلاف الدولارات. وهم الذين استخدموا علاقتهم الوطيدة بحمّود لتمرير خدماتهم الانتخابية منذ الثمانينيات. علماً بأن بنك البحر المتوسط يرهن العقار الذي بُني عليه المستشفى، منذ التسعينيات، بعد تعثر حمود في تسديد مبلغ اقترضه لشراء آلة تفتيت الحصى. ووفق المقربين، فقد عرض حمود على النائبة بهية الحريري، قبل سنوات، شراء أسهم في المستشفى لدعمه مالياً، لكنها رفضت.
اليوم، انتقلت ملكية المركز الطبي وإدارته إلى فريق جديد. وهو فريق يستعين بخبراء لإعادة تنظيمه إدارياً وإنتاجياً وتطويره مهنياً على صعيد المعدّات والطاقم البشري. ويراهن المالكون الجدد على خبراتهم المهنية وقدراتهم المالية التي تخص عائلتهم، لإعادة الاعتبار إلى المستشفى العريق.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا