لا يكفي البقاعيين التفلت الأمني والغذائي والوضع الصحّي المتفاقم، لتضاف الى أزماتهم المزمنة أزمة شحّ المحروقات الخانق الذي تعيشه منطقة البقاع. أبطال هذه الأزمة المفتعلة، هم حوالى ثلاثين شركة تسلّم وتوزيع محروقات، يضاف إليهم أصحاب محطات وتجار ومتعهدو نقل، و«مستثمرو» معابر تهريب على الحدود اللبنانية ــــ السورية. وما الأزمة اللبنانية سوى تكامل مع أزمة أكبر تعيشها سوريا، في ظل «أبطال» مماثلين على الضفة السورية، في ظل النقص الشديد في المحروقات وزيادة الطلب على مادتي البنزين والمازوت، بعدما كانت سوريا تعتمد في تشغيل معظم قطاعاتها الصناعية والخدمية على الكهرباء.حوالى ستين صهريجاً عبرت عبر حاجز الجيش اللبناني في منطقة حربتا الى البقاع الشمالي في اليومين الأخيرين. مع ذلك، محطات البنزين في مدينة الهرمل وقرى قضائها مقفلة أو شبه مقفلة، ويعمد عدد منها، لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، إلى فتح أبوابه لتصريف بضعة آلاف من الليترات، قبل أن يعود ويقفل أبوابه مسرعاً. ويقول أكثر من شاهد عيانٍ لـ«الأخبار» إن الصهاريج تفرغ بعضاً من حمولتها نهاراً، ثم تقوم الصهاريج الصغيرة وبأعداد أكبر بنقل الحمولات ليلاً على الطرقات الترابية باتجاه الحدود السورية، وتعود لتتنقل في اليوم التالي وآثار الأتربة ظاهرة عليها «على عينك يا تاجر». من جهته، عمد الجيش اللبناني إلى تشديد الإجراءات والتأكد من وجهة الصهاريج. وبحسب المعلومات، جرى ضمان الحفاظ على حصة المستشفيات ومولدات الكهرباء في المنطقة، إلّا أن فارق الأسعار الذي يصل إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف بين لبنان وسوريا في السوق السوداء، يجعل التهريب الوجهة المفضّلة للتجار و«هناك صعوبة بالغة في السيطرة على أطماع الموزعين وأصحاب المحطات، حيث يعمد الجيش إلى التأكد من وصول الصهريج الى محطة الوقود، لكن ليس من ضمن مهماته وقدراته وضع حارس على كل محطة أو مرافقة الصهريج الذي قد يفرغ إحدى عيناته ويكمل بالبقية باتجاه مافيا الحدود».
يعبر من لبنان إلى سوريا يومياً حوالى مئة صهريج عبر أربع بقع جغرافية


وتقول مصادر متابعة إنه يعبر إلى سوريا يومياً «حوالى مئة صهريج بأقل تقدير، عبر أربع بقع جغرافية ينشط فيها التهريب حالياً، هي: في الشمال الشرقي منطقة القصر، حوش السيد علي ــــ المشرفة، ومشاريع القاع. وإلى الشرق، عاد خط عرسال لينشط أخيراً باتجاه قارة، كما خط النبي شيت (البقاع الشمالي)، والصويري (البقاع الأوسط) باتجاه ريف دمشق. أما في الشمال فينشط خط وادي خالد باتجاه ريف حمص».
وتقول المصادر إن هناك تكاملاً بين «مافيا لبنانية من الموزعين والتجار مع مافيا الحدود والمعابر، وصولاً إلى مافيا على الحدود السورية وداخل سوريا من الموزعين والتجار، في عملية ممنهجة لاستغلال الدولتين والشعبين. فسعر تنكة البنزين الرسمي المدعوم في لبنان يوازي ثلاثة دولارات، أما في سوق سوريا السوداء فيصل إلى خمسة عشر دولاراً، ومع ذلك تباع بسعر السوق فيدفع ثمنها المواطن السوري غالياً جداً». وتقول المصادر إن «عملية البيع بين عناصر المافيا تتم بالدولار حصراً»، فينتج من ذلك إفراغ سوريا من دولاراتها، ومصادرة الدولار المدعوم من أمام المواطنين اللبنانيين لمصلحة التجار والموزعين.
وأمام استحالة إغلاق الحدود اللبنانية ــــ السورية للأسباب الجغرافية والديموغرافية والسياسية وقوة حركة الحدود بين البلدين، واستحالة ضبط التهريب رغم الإجراءات الأمنية والعسكرية على جانبَي الحدود، فإن حلول ضبط التوزيع هي الحلول الأفضل. فعدا عن ضمان تأمين حصص مولّدات الكهرباء والمستشفيات والبلديات والمدارس ومكاتب الإدارات تسلم عبر الشركات وفق جداول، يمكن أيضاً اعتماد محطات توزيع شرعية، تقدر قيمة الاستهلاك على أساس عدد القاطنين والمزارعين في المناطق الحدودية، وتحديد جداول بالكميات المسلّمة في المحطات يتمّ الإعلان عنها أمام السكّان.