دور الحكومة بات أكبر من عنوانها الأساسي كـ «حكومة مهمة»
في البدء، كان عنوان الحكومة، بعد تظاهرات 17 تشرين الأول، معالجة الانهيار الاقتصادي وتلبية المطالب الاجتماعية ومحاربة الفساد. بعد انفجار 4 آب، اختلف العنوان قبل تسمية الحريري مع محاولات تأليف حكومة الرئيس المكلف مصطفى أديب، ومن ثم بعد تسميته على وقع المبادرة الفرنسية، لتضم مجموعة عناوين تتضمن خليطاً من كل شيء، والبارز فيها تأمين عودة الحريري الى السراي الحكومي. لكن، مع مرور الأسابيع والأشهر، لم يعد العنوان الذي خرج من رحم المبادرة الفرنسية صالحاً، بعد تغيّر كل المعطيات وتفسّخ العلاقة تدريجاً بين عون والتيار والحريري. لم يتبقّ من مرحلة ما بعد الانفجار سوى اسم الحريري وحده. ما عدا ذلك، وفيما كان الوضع ينهار على مستوياته كافة، ضاعت أهداف تأليف الحكومة في زواريب الأسماء والحقائب والاختصاصيين، والبحث عن جنس الملائكة، واستعادة طرح مسألة تفسير الدستور، وتلميحات القصر الجمهوري المتكررة حول المهل المفتوحة للرئيس المكلف. وباتت القطبة الأساسية التي يدور حولها جميع المعنيين بالتأليف، هي في الوقت الذي تستغرقه عملية المفاضلة، ربطاً بالانهيار الداخلي والتطورات الإقليمية، بين بقاء حكومة تصريف الاعمال وتأليف حكومة برئاسة الحريري، أو دفعه الى الاعتذار، وما هي حدود قدرة الوضع الداخلي على تحمّل مزيد من الأزمات المماثلة، لأن خشية بعض الأطراف تكمن في احتمال أن تكون الحكومة الجديدة، حكومة العهد الأخيرة وحكومة الفراغ الرئاسي المحتمل، كما جرت عليه العادة، في حين كان يفترض أن تتألف الحكومة الجديدة تحت عنوان محدد اقتصادي - مالي، إضافة الى مهمتها كحكومة إجراء الانتخابات النيابية والبلدية السنة المقبلة. لكن المخاوف من اتجاه الأحداث المحلية وانتظار التسويات الإقليمية والدولية، وبعض الإشارات السلبية حول إمكان تأجيل الانتخابات النيابية والبلدية، يعني أن الحكومة الجديدة قد تكون آخر الحكومات. ولمجرد طرح هذا الاحتمال على الطاولة بجدية في أكثر من وسط سياسي موال ومعارض، ارتفعت نسبة التوتر السياسي. وهي سترتفع حكماً كلما طال الوقت، وقد تزيد من حماوة الوضع الداخلي. من هنا كانت خلفيات المطالبة بالحصول على الثلث المعطل الصافي للعهد، وردّ الفعل الرافض له من جانب الحريري. وهذا الأمر لا يزال في خلفية الصورة الحقيقية لكل مفاوضات التأليف، لأن مستقبل الحكومة ودورها السياسي باتا أكبر من عنوانها الأساسي كحكومة اقتصادية ومالية أو «حكومة مهمة». ومن هنا أيضاً تكمن حدّة السجالات المتعلقة بموقع الحريري في المعادلة السياسية؛ فرئيس الجمهورية لم يكن متمّحسا له، على عكس حزب الله الذي بارك عودته ولو لم يسمّه. وكلما استنزفت المفاوضات الحكومية مزيداً من الوقت، زاد ذلك من تشنّج عون وباسيل تجاه الحريري، وزاد الأخير من تمسّكه بموقعه. وما يظهر حتى الآن أنه لا يزال حريصاً على عدم الذهاب في مغامرة غير محسوبة تماماً، محلياً وإقليمياً ودولياً. وما دام حزب الله لم يقل كلمته النهائية في شأن النقاش الحكومي، كي تتبلور أكثر اتجاهات المنطقة في ضوء الاستحقاقات الاقليمية، فإن اللبنانيين ملزمون بتحمّل تبعات طرفين يتصرفان في التشكيلة الحكومية، وكأن لا استحقاقات مالية ومعيشية وصحية داهمة.