في كل مرة يجري فيها التحوّل إلى التعليم الكليّ عن بعد في التعليم الرسمي خلال فترة الإقفال القسري، يبدو أصحاب القرار في وزارة التربية في واد والأساتذة في واد آخر. إذ، فجأة، قرر وزير التربية طارق المجذوب خفض حصص التدريس من اليوم الأول للإقفال العام في 7 كانون الثاني حتى 31 منه، بمعدل حصتين إلى 3 حصص يومياً لمرحلة الروضات، 3 حصص في الحلقتين الأولى والثانية، و3 إلى 4 حصص في الحلقة الثالثة والمرحلة الثانوية، من دون ذكر الأسباب التي دفعت إلى اتخاذ القرار وآلية تعويض الساعات، وفي غياب رؤية واضحة للمشروع يقنع بها الأساتذة المتعاقدين خصوصاً، لكونهم الفئة الأكثر تضرراً، باعتبار أن القرار يخفض مستحقاتهم المالية إلى النصف على الأقل.في الواقع، ثمة غياب لخطة ممنهجة لدى الدولة لمعالجة مشكلة التعاقد نفسه، إذ باتت قضية المتعاقدين البحث عن تحسين ظروف تعاقدهم بدلاً من التثبيت والاستقرار الوظيفي. ودفع التخبط لدى الإدارة التربوية المتعاقدين في التعليم الأساسي والثانوي إلى إعلان مقاطعة الدروس عن بعد، والتي عطّلت التعليم الأساسي بصورة خاصة؛ إذ يمثل المتعاقدون في هذا القطاع 65% من الجسم التعليمي، فيما تبلغ نسبة المتعاقدين في التعليم الثانوي الرسمي 25%. إلا أن قسماً من المتعاقدين في التعليم الثانوي والأساسي قرر تعليق «الإضراب المفتوح»، بعد اجتماع عقد أول من أمس مع الإدارة التربوية التي وعدت بـ«تكثيف ساعات التدريس بعد انقضاء فترة الإقفال القسري، سواء كان التعليم مدمجاً أم عن بعد، بما يضمن إنهاء العام الدراسي كما يجب، وفقاً للنصاب المنفّذ لساعات التعاقد الكاملة لأفراد الهيئة التعليمية». وتبين في الاجتماع أن خفض الحصص حصل بعد ورود اتصالات وشكاوى وتمنيات من الأهالي والطلاب والأساتذة أنفسهم بتقليص عدد الساعات، بسبب إصابة عائلات بأكملها في البيوت بجائحة كورونا، وعدم قدرة الأهالي والأساتذة على تحمل أعباء دفع اشتراكات الإنترنت والهواتف والكهرباء والتصوير، نتيجة الغلاء وارتفاع الدولار وبناء لاقتراح المناطق التربوية، ومديريات الوزارة.
لكن كيف سيكون تكثيف التدريس؟ وهل تضمن وزارة التربية عدم العودة إلى الإقفال مجدداً؟ مستشار وزير التربية محمد دوغان قال لـ«الأخبار» إنه «ليست هناك نية لدى الوزارة بشطب ساعات المتعاقدين، وهي ستتفق على آلية التكثيف وتعويض الساعات مع لجان المتعاقدين في بداية شباط، أي بعد انقضاء فترة الإقفال»، نافياً أن تكون هناك إمكانية لمخالفة القانون باحتساب العقد كاملاً كما طالب بعض المتعاقدين.
رئيس حراك المتعاقدين في التعليم الثانوي الرسمي، حمزة منصور، وافق على تعليق الإضراب بناءً على وعد الإدارة التربوية بالتكثيف خلال شهري شباط وآذار، وينتظر قراراً رسمياً في هذا الخصوص. وبنى منصور في خطوة التعليق على تجربة العام الماضي، إذ جرى احتساب ساعة المتعاقد في التعليم عن بعد ساعة فعلية. أما رئيسة اللجنة الفاعلة للمتعاقدين في التعليم الأساسي نسرين شاهين فرفضت العودة إلى التدريس قبل احتساب العقد الكامل للمتعاقد. وقالت إن نحو 500 مدرسة رسمية ستلتزم الاستمرار في الإضراب. وأوضحت أن «الأستاذ المتعاقد يقع كبش فداء لتعطيل قسري، فهو خسر 5 أسابيع بسبب تأخير انطلاقة العام الدراسي، وفقد ساعاته في عطلتي الميلاد ورأس السنة، واليوم يشطبون أكثر من نصف حصصه». وسألت: «كيف سنكثف الدروس ونعلّم قبل الظهر وبعده وفي أيام العطل كما تقترح الوزارة لتعويض الساعات؟ هل سيتحمل التلامذة هذا الضغط؟ ماذا لو أقفل البلد مرة أخرى؟». وأوضحت «أننا لا نطالب بإعطائنا أكثر من قيمة العقد الأساسي، لأننا ببساطة لسنا مسؤولين عن الظروف الاستثنائية». واستشهدت بمطالعة للمحامي حسن بزي يستند فيها إلى رأي لمجلس شورى الدولة يقول إن الحكومة المستقيلة تمارس صلاحياتها العادية لتسيير المرفق العام، وباستطاعة الوزير في هذه الحالة أن يرفع إلى مجلس الوزراء قراراً باحتساب العقد الكامل لكل من يقوم بالتعليم، تطبيقاً للمادة القانونية التي تقول إن «العقد شريعة المتعاقدين»، و«من أخلّ بالعقد هنا هو الدولة وليس المتعاقد، وهي ملزمة بأن تدفع له».
لكنّ للتفتيش التربوي رأياً مختلفاً، لكون «البلد يمر في ظرف استثنائي والخسائر تطال الجميع وليس فقط المتعاقدين، وسلطة القانون هي التي يجب أن تسود، إذ لا يمكن إعطاء أجر عن ساعات تعليمية غير منفذة».