كشف سباق الجهوزية العسكرية والعملانية، خصوصاً منذ ما بعد حرب 2006، عن حجم المفاجآت التي راكمها حزب الله لإرباك خطط جيش العدو. فمع كل خطوة كان الأخير يخطوها في هذا السباق، كان يكتشف أن حزب الله، بدعم من الجمهورية الإسلامية في إيران، نجح في المقابل في امتلاك وسائل قتالية متطوّرة مضادّة، وفي إبداع تكتيكات (اقتحام الجليل نموذجاً)، بما يحبط رهانات العدو وتقديراته، ويثبّت قواعد الاشتباك التي فرضها حزب الله. استناداً إلى هذا المسار، تنوّعت التقديرات والأوصاف التي أطلقها خبراء العدو وقادته العسكريون، في تحديد عناصر قوة حزب الله ومحور المقاومة، ومن ضمنها، بشكل أساسي، التطور النوعي في القدرات العسكرية بالاستناد إلى التطور العلمي الذي تتمتع به الجمهورية الإسلامية في إيران.في مواجهة هذه الحقائق، عمدت الاستخبارات التكنولوجية في كيان العدو إلى متابعة تطور قدرات حزب الله في لبنان وفصائل المقاومة في غزة، مروراً بسوريا ووصولاً إلى طهران، وخلصت، كما نقل موقع «واللا» عن ضابط رفيع في سلاح الجو الإسرائيلي، إلى أنّ «أحداً لا يستخفّ بالعدو. إنه عدو ذكي في عالم الصواريخ وفي سباق التعلم، وهذه مسألة مقلقة جداً».
قبل تناول التهديد النوعي الجديد على عنصر التفوّق الذي يتمتع به جيش العدو، من الضروري التذكير بالإنجاز الاستراتيجي والتاريخي الذي نجح حزب الله من خلاله في تغيير معادلة الصراع مع كيان العدو ،رغم تفوقه التكنولوجي والعسكري والدعم الأميركي والغربي. عبر تحويل جبهته الداخلية، بعناوينها الاستراتيجية والاقتصادية، إلى ساحة استهداف حقيقية، إلى حد أن كبار قادة العدو أقروا في أكثر من مناسبة بأنه لم يعد هناك فرق بين جبهات القتال الميداني على الحدود، وبين الجبهة الداخلية. ومن هنا منشأ نجاح معادلة ردع صواريخ حزب الله - محور المقاومة في مواجهة التفوق الجوي الإسرائيلي.
في محاولة لاحتواء هذا المستجدّ الذي غيّر مجريات الصراع، عمدت مؤسسات التطوير في كيان العدو، على مدار عقد، إلى بناء وتطوير منظومات اعتراض صاروخي متنوّعة. لكن حجم تعاظم القدرات الصاروخية الموازية وتطورها أسقطا الرهان على إمكانية أن تشكل هذه المنظومات عاملاً حاسماً في حماية الجبهة الداخلية، وفي مواجهة هذا المستوى من التهديد.
وجديد إبداعات إيران - حزب الله تمثل بما كشفه تقرير إعلامي إسرائيلي، نقلاً عن ضابط رفيع في الدفاع الجوي الإسرائيلي، عن تحدّ أكثر خطورة يواجه العمق الاستراتيجي لكيان العدو، يتمثل بأن منظومات الدفاع الجوي الصاروخي والجوي (منظومات الاعتراض) التي كان يُفترض أن تحمي الجبهة الخلفية للجيش، أصبحت تحتاج إلى من يحميها. إذ أن الخطر الصاروخي الذي لا يزداد تهديده للجبهة الداخلية، بات يهدد المنظومات التي كان يفترض أن تحبط هذا التهديد. ومن كان يُفترض أن يصطاد الصواريخ في طريقها إلى المطارات والمصانع والمنشآت العسكرية والاقتصادية، أصبحت هي نفسها هدفاً لهذه الصواريخ.
خبراء الدفاع الجوي في إسرائيل يؤكدون أن «الصاروخ الدقيق هو التحدي التكنولوجي الأهم (...)». ولذلك يمثل «أولوية لمنظومة الاعتراض الصاروخي، بعد أسلحة الدمار الشامل». إذ أنه «سلاح استراتيجي قادر على أن يضرب في أي زاوية... ويمكن أن يصل إلى أي مكان ويسمح بضرب أي نقطة مؤلمة لدولة إسرائيل: الدفاع الجوي، رموز السلطة والبنى التحتية».
إسرائيل أكثر من فهم الرسائل العملانية للضربات التي تعرّضت لها منشآت «أرامكو» عام 2019


وفي ما يتعلق بمصدر هذا النوع من المخاطر، لفت الموقع إلى أن «الصناعات الأمنية الإيرانية التي كان على رأسها محسن فخري زادة (رئيس مركز البحوث العلمية في وزارة الدفاع الإيرانية الذي تم اغتياله) تحولت إلى قاطرة تكنولوجية في مجال الصواريخ الدقيقة وإلى مصدّرة للخبرة العسكرية ومنظومات السلاح في الشرق الأوسط»، محذراً من أن هذه الخبرة ستتحول إلى تهديد دراماتيكي للجبهة الداخلية إذا تم دمجها مع معلومات استخبارية دقيقة عن بطاريات الدفاع الجوي.
اللافت في هذا السياق، أن إسرائيل هي أكثر من فهم الرسائل العملانية للضربات التي تعرّضت لها منشآت «أرامكو» السعودية عام 2019. إذ رأى خبراء الدفاع الصاروخي في كيان العدو أن الهجوم المزدوج التي تعرضت له هذه المنشآت شكَّل «ضوءاً أحمر لما يمكن أن يفعله السلاح الدقيق ضد منظومات الدفاع الجوي». وتنبع الخطورة المتصاعدة، «ليس فقط (من) جودة الإصابة مرة بعد أخرى لمنظومات الدفاع الجوي، وإنما (نتيجة) دمجها مع عمليات تضليل وجمع معلومات استخبارية دقيقة وهجمات سيبرانية وشلّ كل ما هو موجود في الطيف الفضائي (مثل وسائل الاتصال، عبر الإنترنت أو السلكي)». وعلى هذه الخلفية في الفهم والتقدير المهني والعملاني، كشف الضابط في سلاح الجو أنه في أعقاب هجوم أرامكو، أصدر قائد سلاح الجو اللواء عميكام نوركين أمراً بعنوان «الدفاع عن الدفاع الجوي».
وربما تجنّباً للرقابة، نسب الضابط في الدفاع الجوي الإسرائيلي معطياته إلى تقارير أجنبية، فاعتبر أنه «يمكن التقدير ما الذي سيحاول الإيرانيون وحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي زجّه في الحرب المقبلة، لتحدّي منظومة الدفاع الجوي في إسرائيل: صواريخ مجنّحة، صواريخ دقيقة، صواريخ عشوائية تحولت إلى دقيقة، حجم الصواريخ المطلقة أو قذائف الهاون باتجاه منطقة محدّدة وفق أسلوب ناجح، طائرة مسيّرة، محلّقات انتحارية... ويبدو أن هذا التقدير العملاني يستند إلى معطيات وتقديرات عبَّر عنها موقع «واللا»، تفيد بأن خيرة المهندسين الإيرانيين لا يعملون فقط على تطوير منظومة أسلحة حديثة، وإنما أيضاً التعرّف إلى المنظومة الإسرائيلية ومحاولة تحديد نقاط ضعفها لتوجيه ضربات إلى المواقع الاستراتيجية في إسرائيل. ونتيجة ذلك، أصبحت «الجهود التكنولوجية التي تُبذل لدعم عمليات التشخيص والتعقب والاعتراض» أحد منابع التهديد الإضافي. وبحسب الضابط الرفيع: «قبل عشر سنوات كان هدف بطارية القبة الحديدية اعتراض الصواريخ، أما اليوم فإن كل قائد بطارية أصبح ملزماً أولاً بالحفاظ على منظومته، وبعدها الاعتراض» بحسب ما نقل عنه الموقع العبري.
ولم يكتف تقرير موقع «واللا» بما كشفه عما يُهدِّد منظومات الدفاع الصاروخي والجوي، بل نقل عن ضابط رفيع، بأن الجيش بدأ أيضاً «الاستعداد لإمكانية حصول هجمات سيبرانية أو قطع وسائل الاتصالات عبر مهاجمة الطيف الفضائي».


اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا