بعد خمسة أشهرٍ على الانفجار - الكارثة في مرفأ بيروت، لا تزال حقوق المتضررين رهن أمرين، أحدُهما متعلقٌ بالآخر: التقرير الذي كان يفترض أن تصدره الدولة اللبنانية بصفة «المعجّل المكرّر» لتبيان أسباب الكارثة والمتسبّبين فيها، وشركات التأمين التي تمتنع عن التعويض في انتظار معرفة السبب لتقرير ما إذا كان يسمح بالتعويض أم لا، على أساس الـ»contract».في الشقّ الأول، لا يبدو أن الدولة متنبّهة إلى ما يعانيه المتضررون. فبعدما وعد رئيس الحكومة حسان دياب، بُعيد الانفجار، بجلاء أسباب الانفجار في غضون «خمسة أيام»، انقضت أشهر خمسة من دون «حسّ» الدولة ولا خبرها. وجلّ ما تفعله هذه الأخيرة «حثّ» شركات التأمين على التعويض على المتضررين «مشاركة منها في الهمّ الوطني». أما شركات التأمين، فتنفض عن كاهلها أية مسؤولية، بحجة أن التقرير لم يصدر بعد. وبين هذه وتلك، يعوّض الناس على أنفسهم من لحمهم الحي، ولا يملكون سوى التظاهر للضغط من أجل تحصيل حقوقهم التي يخافون ضياعها.
مَن المسؤول عما يحدث؟ وزارة الاقتصاد والتجارة، التي تمارس دور الوصي على شركات التأمين، لا تجد نفسها معنية بما يجري. فمنذ لحظة الانفجار، لم تمارس أي دورٍ يُذكر، باستثناء إصدار البيانات التي «تمنّى» الوزير راوول نعمه في آخرها ، قبل أيام، على شركات التأمين الممتنعة أن تبدأ بالتعويض على الناس «خصوصاً في ما يتعلق بالمطالبات العائدة لصغار المؤمّنين والأكثر حاجة، من دون انتظار نتيجة تقرير المحقق العدلي الرسمي».
في المبدأ، وقانوناً، لا صلاحية للوزارة على شركات التأمين لتفرض عليها دفع التعويضات من عدمه. لكن، ألا يتطلب ظرف استثنائي بضخامة انفجار المرفأ «الحثّ» بطريقة أخرى؟ لا تملك الوزارة جواباً، وذلك، ببساطة، لأن الدور الأقوى هو لشركات التأمين. «فإن أرادت التعويض عوّضت وإن لم ترد لن تعوّض»، على ما تقول المصادر، لافتة إلى أن بعض الشركات بدأت بالتعويض على المتضررين، لكن إجمالي التعويضات التي دُفعت حتى الآن بلغ نحو 19 مليار ليرة، وهي نسبة ضئيلة جداً إذا ما قورنت بالمبلغ المقدّر الذي يقارب الـ 1659 مليار ليرة.
أما بالنسبة إلى شركات التأمين، فثمة واقع آخر في حساباتها، إذ أنها تنطلق من هاجس أساس هو الدولار. وحجّتها أن «لا دولار فريش»، وأن أموالها محتجزة في المصارف. ففي حال إقرار التعويض، «من المحسوم» أن لا مجال لدفع دولار «كاش»، والدفع يكون «من خلال شيكات مصرفية»، على ما يقول رئيس تجمع شركات التأمين، إيلي طربيه، من دون أن يلغي ذلك خيارات أخرى «كتصليح السيارات في كاراجاتنا». ويقسم طربيه الحال اليوم بحسب كل شركة تأمين وملاءتها إلى ثلاث فئات. شركات بدأت تدفع التعويضات، وهي في غالبيتها أجنبية ولها فروع في لبنان، وتدفع التعويضات الصغيرة التي تقلّ قيمتها عن 25 ألف دولار؛ وشركات تربط قرار التعويض بصدور تقرير المحقق العدلي؛ وشركات متعاقدة مع معيدي تأمين خارجيين بموجب اتفاقيات، وهذه الأخيرة «لا تستطيع اليوم أن تخطو خطوة التعويض، لأنه في حال ثبت أن الانفجار لا يخضع لشروط العقد، قد يطالب المعيدون الشركات بإعادة الأموال».
إجمالي التعويضات التي دُفعت حتى الآن بلغ نحو 19 مليار ليرة من أصل 1659 ملياراً


هذه «الحسبة» تقود إلى الخلاصة التالية: لا تعويضات للمتضررين في انتظار تقرير لا يبدو أنه سيصدر قريباً. وما يُدفع اليوم يُدفع بموجب شيكات مصرفية تُصرف على أساس سعر الـ 3900 ليرة للدولار لمن تقلّ تعويضاتهم عن 15 ألف دولار. أما من دُمرت مصالحهم وبيوتهم، فلهم «رحمة الله»، لأن الدولة التي تخلّت عن مسؤولياتها، أسّست لنظام فاسد سلّمت بموجبه رقاب الناس لشركات التأمين.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا