تحوّلت السراي الحكومية أمس غرفة عمليات. ورش العمل المخصصة لمناقشة رفع الدعم جمعت العشرات من أصحاب المصلحة في كل القطاعات المعنية. لكن أحداً لا يعرف كيف ستترجم هذه الورش إلى قرارات. الحكومة لن تجتمع كما سبق أن أعلن الرئيس حسان دياب. حتى الاجتماع التقييمي الذي عُقد مساءً لم ينتج عنه أكثر من «رؤية» لعدد من المعايير التي يفترض أن يتم على أساسها التعامل مع مسألة تخفيف الدعم. لا آلية واضحة لذلك، وليس واضحاً سوى أن القرار سيكون مرتبطاً في النهاية بالحكومة وبمصرف لبنان.فوضى الاقتراحات التي طرحت أمس تؤشّر إلى أن قرار سريان مفعول ترشيد الدعم لن يكون سريعاً. في الأساس، بدت وظيفتها محصورة بتلبية مطلب اللجان النيابية المشتركة التي تعقد اجتماعاً الخميس، وتتوقع من ممثلي الحكومة أن يعرضوا تصورهم لترشيد الدعم. صار لهؤلاء تصوّر، لكنه لا يزال عاماً وأشبه بتوصيات ليس واضحاً لمن توجّه.
في مسألة المحروقات، السلع التي تستحوذ على الحصة الأكبر من الدعم (تزيد كلفة استيرادها على ثلاثة مليارات دولار)، من المؤكد أن شيئاً لن يحسم قريباً. يكفي أن الاجتماع التقييمي اكتفى بالإشارة إلى «دراسة آلية تخفيض الفاتورة النفطية». الدراسة تلك لن تبصر النور قبل يوم الثلاثاء المقبل. حينها يتوقع أن يحسم الجانب العراقي موقفه بشأن توريد النفط الخام إلى لبنان. ومن بعدها تُدرس الخيارات المطروحة. المطّلعون على الملف يؤكدون أن الأجواء إيجابية، إذ يُفترض أن يحصل لبنان على حاجته من النفط، على أن يبدأ الدفع بعد سنة. التوفير سيكون هائلاً عندها، وقد يغيّر كل المعادلات المتعلقة بتخفيض الدعم، لأن الوفر الناتج عن الاستيراد من العراق سيكون كبيراً، حتى حين يحين موعد الدفع. فما سيدفعه لبنان، بحسب المصادر، هو كلفة تكرير النفط فقط. وقد تبيّن أنها لا تزيد على دولارين للبرميل بحسب العرض المقدم من إحدى الشركات. اللافت أيضاً في اجتماعات السراي ما تم تناقله عن عرض كويتي لتصدير البنزين إلى لبنان، لم تعرف تفاصيله، ولم تطلع عليه وزارة الطاقة.
في ورشة العمل الخاصة بوزارة الطاقة، كان جميع المعنيين مدعواً: المستوردون والموزّعون وأصحاب المحطّات وأصحاب المولّدات… كل طرف تحدث عن هواجسه ومخاطر تخفيض الدعم. أما الوزارة، ففي العرض الذي سبق أن عرضته، لم تعمد إلى تقديم اقتراحات عملية، بل طرحت مجموعة من السيناريوهات، شارحة النتيجة التي تنتج عن كل سيناريو.
واحد من الاقتراحات التي طرحها ممثل مصرف لبنان في جلسة أمس كان زيادة التقنين 4 أو 5 ساعات يومياً، بحجة توفير الفيول وبالتالي توفير جزء من الدعم، إلا أن ذلك الاقتراح «الكارثي» سرعان ما أحبط، بعدما تبين أن كلفة تأمين المازوت للمولّدات لتغطية ساعات القطع هذه تفوق كلفة الفيول.
خفض دعم المحروقات 50% سيرفع سعر صفيحة البنزين الى 43 ألف ليرة


بحسب العرض المقدم من الوزارة، فإن سعر مبيع المحروقات يتأثر بأربعة متغيرات: سعر النفط عالمياً، النسبة التي يؤمنها مصرف لبنان بالعملة الأجنبية، سعر الدولار في السوق السوداء والسعر الرسمي للدولار.
وفي جدول يبيّن التغيّرات المحتملة لسعر صفيحة البنزين 95 أوكتان تبعاً لنسبة الدعم المقدّم من مصرف لبنان (وفق السعر الحالي للنفط)، فإن السعر يتراوح بين 24 ألف و302 ليرات في حال كانت نسبة الدعم 90 في المئة، وبين 67 ألفاً و581 ليرة. علماً أن تخفيض الدعم إلى 50 في المئة على سبيل المثال، يؤدي إلى ارتفاع سعر الصفيحة إلى 43 ألفاً و537 ليرة. أما بالنسبة للمازوت، فإن السعر يمكن أن يرتفع، في حال وقف الدعم، من 16 ألفاً و206 ليرات حالياً، إلى 56 ألفاً و798 ليرة.
كذلك، وضعت الوزارة تصوراً لإمكانية اعتماد سعر المنصة، بوصفه متغيراً خامساً، وتبين أن سعر صفيحة البنزين سيُعادل حينها 36 ألفاً و570 ليرة، مقابل 27 ألفاً و706 ليرات لسعر صفيحة المازوت.
بالرغم من أن وزارة الطاقة لم تقدم رأياً في نسب الدعم بل اكتفت بعرض الأرقام وانعكاسها على الأسعار النهائية لكل من البنزين والمازوت والفيول، فإن في الوزارة ميلاً إلى اعتبار أن تخفيض الدعم أمر لا بد منه، إذ أن «السعر الحالي في لبنان، يقل عن السعر في كل الدول المجاورة، حتى النفطية منها، كما يساهم في استمرار التهريب إلى سوريا». مع ذلك، فإن المصادر نفسها تؤكد أن معدّل الاستيراد لم يرتفع عن العام الماضي سوى بنسبة 14 في المئة بالنسبة للمازوت، فيما تراجعت الكميات المستوردة من البنزين.
تدرك وزارة الطاقة أن أسعار المحروقات تؤثّر في كل القطاعات، ولذلك اعتبرت أن تحديد الدعم للمحروقات قرار يعني كل الوزارات. على سبيل المثال، إذا ارتفع سعر المحروقات، فإن كلفة النقل سترتفع، وكلفة الانتاج الصناعي كذلك، إضافة إلى تكاليف المستشفيات، إلى كلفة أي سلعة أو منتج يعتمد على النقل. ولذلك لا بد من بحث تداعيات هذا التأثير وحجمه وأضراره على الاقتصاد.
والأمر نفسه ينعكس على فاتورة المولّدات الخاصة. في الاجتماع حذّر رئيس تجمع أصحاب المولدات عبدو سعادة من أن تحرير سعر المازوت سيكون تأثيره كارثياً على الناس لا على أصحاب المولّدات. فوزارة الطاقة تحدد سعر الكيلوواط تبعاً لسعر صفيحة المازوت، وإذا كان سعر الكيلو واط حالياً 600 ليرة، فإن وصول سعر المازوت لـ50 ألف ليرة يمكن أن يؤدي إلى تسعير الكيلوواط بـ 2000 ليرة. هذا يعني أن فاتورة المشترك بـ5 أمبير ستصل إلى 500 أو 600 ألف ليرة تبعاً لعدد ساعات التقنين.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا