منذ أسابيع، تتوالى الدعوات البيئية لحماية نهر غلبون في قضاء جبيل من «الهجمات الإسمنتية» التي تحاصر مجراه. الدعوات، بمعظمها، جاءت من أبناء المنطقة والمناطق المجاورة. وبعدما استشعر هؤلاء بأن النهر الذي يقطنون بجواره يستحيل مجراه يوماً بعد آخر «صبّة باطون»، بدأوا حركة اعتراضهم. ولم يستسغ هؤلاء أن من يعتدي على النهر هو مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان التي تقوم بأعمال بناء «محطة ضخّ للمياه» على حافة المجرى، من دون تطبيق أدنى الشروط القانونية، إن لناحية تحصيل الرخص من الجهات المعنية أو حتى إعداد الدراسات اللازمة لناحية الحفاظ على البيئة والسلامة العامة. والأنكى أن هذه الأعمال «كانت سبباً في تداعي حائط تدعيم الطريق الرئيسية التي تربط غلبون ببلدة شامات»، حسب ما يشير بيان الحركة البيئية اللبنانية استناداً إلى الصور و«وثيقة» الاعتراض التي قدّمها الأهالي. فيما أكدت مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان أن لا علاقة للأشغال التي تقوم بها بانهيار الحائط، وأن المعترضين لم يقدموا أي مستند لتقنيّي المؤسسة يثبت ذلك، محمّلة المسؤولية لوزارة الأشغال العامة.لثلاثة أسابيع، لم يتحرك أيّ من المعنيين بالملف، لا النيابة العامة، ولا حتى المؤسسة التي أصرّت على استكمال الأعمال، رغم تقرير دائرة التنظيم المدني في جبيل التي كشفت على الأعمال وصنّفت ما يجري تحت خانة المخالفة، مطالبة بـ«وقف الأعمال فوراً وإعادة مجرى النهر والأرض الطبيعية كما كانا عليهما سابقاً». بقي الحال على هذا المنوال حتى ليل أمس حين قرّرت دائرة التنظيم أخذ الأمور على عاتقها، في ظل تلكّؤ النيابة العامة، وطالبت بتنفيذ القرار. وعليه، أوقفت وحدة من القوى الأمنية الأشغال على مجرى النهر. غير أن الأمور في المنطقة ليست على ما يرام، خصوصاً في ظل قرار المعنيين في بلدية غلبون بـ«مواجهة» القرار، على اعتبار أن المسألة تخصّ «8 بلدات تعاني من شحّ في المياه، وكانت وظيفة هذه المحطة حلّ هذه المعضلة المستمرة منذ سنوات طويلة»، على ما يقول رئيس بلدية غلبون، إيلي جبرايل.
وبالعودة إلى قصة النهر وكيف وصلت الأحداث إلى هنا، يشير جبرايل إلى أن البلدية قامت قبل نحو تسع سنوات بحفر بئر على مقربة من نهر غلبون، لتعويض الشح في المياه «إذ كان نهر غلبون يضخّ في مجراه 20 يوماً في العام فقط، وباقي الأيام نشتري المياه». ولأن البئر لم تكن فقط لغلبون «وإنما تغذي 4 ضيع بشكل مباشر و4 ضيع بشكل غير مباشر»، منح أحد الملاك على مقربة من النهر مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان قطعة أرضٍ لبناء مضخة، وعلى هذا الأساس، قامت المؤسسة ـ بحسب جبرايل ـ ببناء جدارين أحدهما بطول 5 أمتار والثاني 3 أمتار ونصف متر مع خزان للمياه، «بموجب دراسة فنية». برأي الأخير، «لا حاجة إلى دراسة أثر بيئي»، على اعتبار أن ما يُبنى هو «خدمة» وليس تعدياً. ولأنه كذلك «نطلب بأن يسمحوا لنا باستكمال البناء ولم يبق لدينا سوى 4 أيام كي نُنهي كل شيء».
غير أن فترة السماح التي طلبها جبرايل لم توافق حسابات التنظيم المدني الذي أصدر قرارين في هذا الصدد، أحدهما استندت إليه قائمقام جبيل بالإنابة ناتالي الخوري في جوابها، والذي يشير إلى «أعمال ردم كميات كبيرة في مجرى النهر (...) وحيطان دعم من الباطون المسلح في العقار المحاذي». أما التقرير الآخر، فقد صدر مساء أول من أمس وفقاً لإشارة القضاء بالمضمون نفسه والمطالبة نفسها.
وكانت الحركة البيئية اللبنانية قد «عمّمت» شكوى الأهالي على المعنيين، مشيرة بالصور والمستندات إلى المخالفات الحاصلة. وفي هذا الإطار، يشير رئيس الحركة بول أبي راشد إلى أن «المشروع تحول من تركيب طلمبة لسحب المياه إلى محطة ضخ من دون تحصيل رخصة بناء». وإزاء هذا التحول، رفع أبي راشد شكوى باسم الحركة البيئية. جالت الشكوى ودارت أسابيع ثلاثة إلى أن صدر القرار أمس. فهل تبقى مفاعيل القرار؟ أم تُلغى بحكم أمرٍ واقع؟

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا