ما الذي تعنيه دعوة وزير الطاقة في كيان العدو، يوفال شتاينتس، للقاء الرئيس ميشال عون، سراً أو في العلن في إحدى الدول الأوروبية لحل الخلاف على الحدود البحرية بين الجانبين؟ بداهة، تعني أن مفاوضات الناقورة وصلت فعلياً إلى طريق مسدود، مع خشية إسرائيلية من الأسوأ، مرتبطة بالمعادلة الأوسع مع لبنان.بداية، من المفيد الإشارة إلى أن النتائج التي حقّقتها إسرائيل كانت كاملة، جراء نجاحها عبر الضغط الأميركي في جرّ لبنان إلى مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بحلّتها الحالية. إلا أن المسار لا يستهدف تحقيق مسار تفاوضي مع لبنان، وإن كانت هذه النتيجة مطلوبة لذاتها، بل تحقيق مستويات أعلى وأشمل من التفاوض على إيجاد حل تقني للحدود البحرية بين الجانبين.
تقدير إسرائيل لنتيجة المفاوضات جاء مغلوطاً، إذ بني على عامل شبه وحيد في دفع لبنان لإيجاد حل تسووي للحدود البحرية، مهما كان التنازل في المضمون، ناهيك بالشكل. قدّرت تل أبيب أن الأزمة الاقتصادية في لبنان كفيلة بتليين الموقف اللبناني إلى حدّ التنازل وتلبية رغبات إسرائيل عبر التفاوض، وأن كل ما يهمه الآن استخراج الغاز وعائداته المالية.
وكانت إسرائيل، وربما لا تزال، تأمل من المفاوضات، على هذه الخلفية الاقتصادية، تحقيق ما لم يتحقق في الأمن والسياسة، وتحقيق أهداف تتجاوز ترسيم الحدود البحرية، وتصل إلى إعادة إحياء معادلة القوة الإسرائيلية وفرض الإرادات، والقول بعدما تلقّت «إسرائيل» ضربة كبيرة جداً عام 2000 نتيجة الانسحاب من لبنان، إنه يستحيل على أعداء إسرائيل تحصيل الحقوق وحل الخلافات إلا عبر التفاوض والتسويات. أما المقاومة والمعاندة فلا تفضيان إلى نتيجة.
من هنا، يُعدّ التفاوض على إيجاد حل للخلاف البحري، فرصة إسرائيلية للعودة إلى معادلة ما قبل عام 2000: تحصيل الحقوق عبر التفاوض، لا المقاومة. إلا أن هذه الفرصة تتلاشى، وتثبت للبنانيين، مجدّداً، أن المسار التفاوضي لا يجدي مع العدو.
في المقاربة العلنية للمفاوضات، تبدو تل أبيب معنية بإنجاحها، ولكن من دون إبداء تلهّف علني لذلك. وهي تحاول الإيحاء أن الفائدة الاقتصادية التي يمكن أن تعود عليها في حال نجاح التفاوض، محدودة نسبياً قياساً بما لديها من ثروة غازية، فيما يشكل نجاح التفاوض للبنان حاجة ملحة جداً وفرصة لإنهاء استفحال أزمته الاقتصادية. كما أن نجاح لبنان في تحصيل حقه عبر التفاوض، يعني أن التفاوض مع «إسرائيل» مُجد، وهي نتيجة يأمل العدو أن تتفاعل في لبنان لتنسحب على خلافات أخرى بين الجانبين، بما يطعن منطق المقاومة وأسباب وجودها، خصوصاً أن العدو يرى أن في الداخل اللبناني من يتلهّف لنتيجة كهذه، يستخدمها في مواجهة حزب الله ومقاومة الاحتلال.
قدّرت تل أبيب أن الأزمة الاقتصادية في لبنان كفيلة بتليين الموقف اللبناني إلى حدّ التنازل


خشية إسرائيل هي من إدراك اللبنانيين أن الحق لا يؤخذ من الاحتلال عبر التسويات والتفاوض، بل عبر المقاومة التي إن لم تنزع الحق نزعاً كما حصل مع تحرير الأرض عام 2000، فهي تردع الاحتلال عن سرقة ثرواتهم واستغلالها، كما حصل مع الحد الجنوبي للمياه اللبنانية منذ أن اكتُشف الغاز في شرقي المتوسط. فالمقاومة هي التي منعت الاحتلال من التنقيب عن الغاز واستخراجه في المنطقة الجنوبية، وهي نتيجة كانت لتكون مؤكدة، إن لم تكن المقاومة في موقع ردع الاحتلال.
من هنا تأتي دعوة شتاينتس، وتحديداً لرئيس الجمهورية، ليسلك مساراً أكثر مباشرة مع العدو، علماً أن المسار العلني أو السري سيّان في الحالة الإسرائيلية، وهذه عادة اسرائيلية متّبعة تهدف إلى أقصى استغلال من لقاءات كهذه.
ولاستهداف التوجه إلى الرئيس عون، ودعوته للتفاوض المباشر، نتائج إسرائيلية مأمولة في إمكان ضعضعة العلاقة مع حزب الله، ليس فقط بوصفه حزباً لبنانياً حليفاً للتيار الوطني الحر، بل أيضاً بوصفه مقاومة، حيث الارتباط أكثر من خاص مع شخص الرئيس. ولا يبعد أن تكون أصوات شاذّة من هنا وهناك، صرّحت بإمكان التطبيع مع العدو، هي جزءاً من عوامل التأثير التي ساعدت على الدعوة الإسرائيلية للتفاوض المباشر مع شخص الرئيس.
كيفما اتفق، دعوة وزير الطاقة الإسرائيلي للتفاوض مع الرئيس عون، سراً أو علناً كما يقول، إشارة واضحة، إن لم تكن دليلاً، على أن مفاوضات الناقورة وصلت إلى طريق مسدود: فلا إسرائيل قادرة سياسياً وربما اقتصادياً على تلبية ما يطالب به الوفد اللبناني، ولا هي في الوقت نفسه قادرة على إفشال التفاوض ربطاً بتداعيات الفشل على مجمل المعادلة مع الساحة اللبنانية، وأيضاً ما وراءَها بالتبعية، في الساحة الإقليمية الأوسع.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا