في 26 تشرين الأوّل 2017، دخل قانون معاقبة مرتكبي جرائم التعذيب، حيّز التنفيذ. احتفل المتابعون بهذا الإنجاز، لكن بقي الموقوفون يتعرّضون للضغط والتعذيب من دون إيجاد طريقةٍ قانونيةٍ لمحاسبة العناصر الأمنيّة، بحسب القانون النافذ.هكذا، نام القانون 65/2017 في أدراج المعنيين ولم يُطبّق إلا في قلّة قليلة من القضايا وبعد ضغوط دولية ومحلية، كقضية حسان الضيقة والممثل المسرحي زياد عيتاني. استطاع الاثنان الادعاء من دون أن تصل الدعويان إلى محاسبة الفاعلين.
إذاً، تبدو خشية المتابعين مفهومة بأن يلقى القانون 191 (تعزيز ضمانات الموقوفين بما يؤدّي إلى الحدّ من القدرة على التعذيب) مصير قانون معاقبة مرتكبي جرائم التعذيب.
موقف القضاة من القانون الجديد ليس مبشّراً، إذ تحوّلت معركتهم ضد تعديل أحكام المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية إلى «معركة شخصيّة»، بعد فشلهم في الضغط على رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، للطعن بالقانون أمام المجلس الدستوري. وبالتالي، يحاول بعض النواب العامين التغاضي عن تطبيقه وكأنّ شيئاً لم يكن، مراهنين على إمكانيّة تعديل القانون في المجلس النيابي، وتحديداً البند المتعلّق بتعرّض قضاة النيابة العامة للحبس أو الغرامة، في حال عدم مراعاة الضمانات الأساسيّة للموقوفين. كذلك يحتجّ قضاة كثر، بوضوح، على بنود تعزيز ضمانات الموقوف، كعدم استجوابه من دون وجود محامٍ، ووجوب تسجيل التحقيق بالصوت والصورة.

قضاة متمرّدون
«ماشية والرب راعيها»... هي المقولة التي تنطبق على القانون الذي يُنفّذه القضاة باستنسابيّة. إذ يوضح بعض النواب العامين أنّهم «ليسوا في وارد خرق القانون، بل هم يتلقّون اتصالات من بعض المحامين ويعملون على تسهيل دخولهم إلى مراكز التحقيق». فيما يلفت آخرون إلى أنّهم لن ينفّذوه مهما تطلّب الأمر. الأمثلة على هؤلاء كثيرة، ومنهم إحدى القاضيات التي تُشير أمام المقربين منها إلى أنّ البدء بتنفيذ القانون يعني أن تُطلق رصاصة على رأسها، معتبرةً أنّ البعض ينوي محاسبتها عبر أحكام القانون 191.
يرى البعض أن الحلقة المفقودة تكمن في عدم صدور مذكرة لتعميمها على القضاة لإبلاغهم بضرورة تطبيق القانون. وزيرة العدل ترى أن هذا الأمر ليس من اختصاصها. فيما المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات يشدّد لسائليه على أن «لا مشكلة لدى القضاة في تطبيق القانون 191، بغض النظر عن موقفهم منه».
ويلفت البعض إلى أنّه يُمكن التغاضي عن إصدار المذكّرة، على اعتبار أن القانون ليس جديداً بل هو تعديل أحكام مادة وحيدة من قانون موجود سابقاً.

... والأجهزة الأمنيّة تخرق القانون
وإذا كان التزام القضاة بتطبيق القانون استنسابياً، فإنّ موقف الأجهزة الأمنيّة ليس بأفضل حال. هؤلاء يقولون شيئاً ويفعلون عكسه. إذ يشدّد المسؤولون في الجيش على «تقيّد عناصرهم بالقانون»، وكذلك تفعل المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي التي تذهب إلى أبعد من ذلك بالإشارة إلى أنّ اللواء عماد عثمان أصدر منذ أيّام مذكرة يدعو فيها رتباء التحقيق إلى تطبيق القانون تحت طائلة المسؤوليّة.
في المقابل، يشير العديد من رتباء التحقيق في أكثر من منطقة إلى عدم تلقيهم أي مذكّرة في هذا الشأن، فيما يوضح آخرون أنّهم تلقّوا أوامر شفهيّة من الضبّاط المسؤولين عنهم بعدم استجواب الموقوفين في حال غياب المحامي.
ويتردّد أنّ عثمان طالب المسؤولين السياسيين بتمديد فترة الشهرين المُعطاة للأجهزة الأمنيّة لتجهيز مراكز التحقيق التابعة لها بالكاميرات، إلى سنتين بعد رصد المبلغ المطلوب والذي يتعدّى المليون دولار.
عويدات: لا مشكلة لدى القضاة في تطبيق القانون 191 بغضّ النظر عن موقفهم منه


كلّ ذلك يؤكّد أنّ الوعود بتنفيذ القانون هي بالفعل كلام في الهواء، طالما أن لا ضمانة في تنفيذ القانون ومحاسبة المخالفين.
الدّليل على ذلك هو منع عدد من المحامين من الدخول إلى المراكز الأمنيّة خلال الأسبوع الماضي. نهاد سلمى هو أحد هؤلاء المحامين. منذ أسبوع، تلقّى سلمى اتصالاً من ذوي أحد الموقوفين ليتوجّه مباشرةً إلى أحد مخافر طرابلس، لكن لم يُسمح له بحضور التحقيق الأولي مع موكّله. شجارٌ حصل في المخفر عندما أصرّ سلمى على وجود قانون نافذ يسمح له بالدخول، إلا أن عناصر الأمن منعوه بعد التواصل مع رئيس المخفر، متذرّعين بعدم صدور أي مذكرة بهذا الشأن.
يتابع نقيبا المحامين في بيروت والشمال الشكاوى الواردة من المحامين. ولذلك، سيتصل النقيب ملحم خلف بالمدّعي العام التمييزي لمطالبته بإصدار مذكّرة تدعو النوّاب العامين الى التقيّد بتنفيذ القانون. ويلفت خلف إلى أنه تلقى مراجعتين من محاميين مُنعا من دخول مراكز التحقيق الأسبوع الفائت، وسارع إلى الاتصال بالمعنيين لتذليل العقبات.

مُنع عدد من المحامين من حضور جلسات التحقيقات الأوّلية


وفي الشمال أيضاً، كلّف النقيب محمّد المراد لجنة السجون بمتابعة الخروق الحاصلة منذ تاريخ نفاذ القانون. ويشدّد مقرّر اللجنة المحامي محمد صبلوح على أنّ «القانون لا يُطبّق بحسب متابعتنا»، معلناً أنّه بصدد تحضير كتب رسميّة إلى الأجهزة الأمنيّة لسؤالها عن تنفيذ القانون والاستفسار منها عن مبرراتها في عدم تطبيقه.
لكن لن يقف المحامون بالتعاون مع النقابتين مكتوفي الأيدي أمام إصرار الأجهزة الأمنيّة والقضاء على التغاضي عن تنفيذ القانون، بل سيعمدون إلى تقديم الدعاوى بحق الفاعلين، بالإضافة إلى إبطال التحقيقات الأوليّة التي لم تُراعَ فيها الأصول منذ نشر القانون في الجريدة الرسميّة، وفق صبلوح.



المحامون أونلاين 24/24
تضع نقابتا المحامين في بيروت والشمال اللمسات الأخيرة على تطبيق إلكتروني سيُعلن عنه قبل نهاية الشهر الحالي. يضم التطبيق الذي سيتم وصله بمراكز التحقيق، أسماء العشرات من المحامين المُتدرّجين الذين يتوزّعون في كل المناطق اللبنانيّة ومتاحين للطلب منهم حضور جلسات التحقيقات الأوليّة مجاناً، مع الموقوفين المُتعسّرين ماديّاً.
تقوم فكرة التطبيق عملياً على إرسال إشعار إلى أقرب محامٍ مُدرج اسمه في اللائحة. وفي حال عدم الرد خلال 5 دقائق، يتحوّل الإشعار إلى محامٍ آخر... ويتضمّن التطبيق جرس متابعة للتحقّق من مواعيد دخول المحامين وخروجهم.
يؤكّد نقيب المحامين في بيروت ملحم خلف وجود هيكليّة إداريّة للتأكّد من مهنيّة المحامين المتدرجين الذين لا يتحرّكون إلا مع المُدرّج الأساسي، بالإضافة إلى مسؤول أعلى عن الاثنين يراقب سير العمل من خلال التطبيق، مشيراً إلى أنّ مجانيّة هذه الخدمة لن تؤثّر على فعاليّتها، إذ إنّ «رسالة المحامي مرتبطة بالقيم، كما أنّنا سنعمل على بلورة هذه الفكرة مستقبلاً لتطويرها بما يُناسب الواقع».
وبانتظار الإعلان عن التطبيق، وضعت النقابتان خطوطاً ساخنة لتلبية طلبات الموقوفين غير القادرين مادياً على توكيل محامٍ.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا