في 28 تشرين الأول الماضي، وصل إلى المساهم في شركة «ميك 2» (تاتش) وسيم منصور رسالة من «بنك عودة للخدمات الخاصة» (بصفته الائتمانية عن الدولة مالكة كل الأسهم في الشركة) تطلب منه إعادة السهم «الذي ائتُمن عليه منذ 27 أيار 2014، ليتم انتخابه عضواً في مجلس إدارة الشركة» آنذاك. في الرسالة تحذير من القيام «بأي تصرف يتناول هذا السهم أو يرتكز إليه».في اليوم نفسه، وقبل ساعة من توجيه الكتاب إلى منصور، كانت «ميك 2» قد تبلّغت الطلب الذي قدمه منصور إلى قضاء الأمور المستعجلة للمبادرة إلى شطب البند المتصل بإبراء ذمة رئيس وأعضاء مجلس الإدارة والشركة المشغّلة، من جدول أعمال الجمعية العمومية التي كانت مقرّرة في 30 تشرين الثاني، إلى حين البت بالدعوى الجزائية التي سبق أن تقدّم بها. فمنصور كان قبل أيام قد قدّم دعوى، أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت، ضدّ وزيرَي الاتصالات السابقين محمد شقير وجمال الجرّاح ورئيس مجلس إدارة الشركة ومديرها العام السابقين، على خلفية شبهات فساد في سياق استئجار، ومن ثم شراء، مبنى «تاتش»، في وسط بيروت.

(هيثم الموسوي)

وكما صار معلوماً، فقد أقرّت القاضية كارلا شوّاح إلغاء البند من جدول الأعمال، كما أيّدت هيئة القضايا في وزارة العدل، وهي الهيئة التي تمثّل مصالح الدولة، هذا الإلغاء.
ينطلق منصور من هذه الوقائع، ليؤكّد أن ممارسته لأي من الحقوق الناجمة عن صفته كمساهم في الشركة إنما هدفت لغاية واحدة وهي حماية مصالح المساهمين والشركة والدولة في مواجهة شبهات فساد، ومن دون التماس أي مصلحة شخصية. وهو لذلك يربط بين توقيت طلب السهم والدعوى المرفوعة، ليخلص إلى أن الغاية من هذا الطلب هي إسقاط الدعوى، من خلال تحويل المدّعي إلى غير ذي صفة في الادعاء.
بالنسبة إلى مصادر وزارة الاتصالات فإن الأمر ليس على هذا النحو. الوزارة طلبت من بنك «عودة» توجيه الكتاب إلى منصور لإعادة السهم، «لأنه يملكه من دون وجه حق». تؤكد المصادر أن حصول منصور، كما أي شخص آخر، على سهم في الشركة، هو إجراء قانوني يهدف إلى إعطاء من يُعيّن في مجلس إدارة أي من شركتَي الخلوي، حق التصويت. وهو يفترض به، بمجرد انتهاء هذه الوظيفة، أن يُعيد السهم الذي حصل عليه بالائتمان. هذا ما لم يفعله منصور ولا المساهمان عماد حمدان ووائل أيوب، اللذان تلقيا إنذاراً مماثلاً، كما قال وزير الاتصالات بُعيد استرداد شركة «تاتش». علماً أن حمدان وأيوب، سبق أن تقاضيا تعويضاً ضخماً من المال العام (قُدّر بنحو 900 ألف دولار) من دون أن يطلب منهما التنازل عن السهمين اللذين يحملانهما. وأكثر من ذلك، فإن حمدان أعيد توظيفه في «زين» وهو مثّل مصالحها في المفاوضات والاجتماعات مع وزير الاتصالات.
للتوضيح، فإن عدد أسهم شركة «ميك 2» يبلغ 30 ألف سهم، كانت تتوزع على الشكل التالي: 29 ألفاً و 992 سهماً لبنك «عودة»، إنما بصفته الائتمانية عن الدولة اللبنانية، وسهم لكل من رئيس وأعضاء مجلس الإدارة الذي انتهت ولايته أخيراً، أي بدر الخرافي، لارا حداد، نديم خاطر، شربل قرداحي، علي ياسين، إضافة إلى سهم لكل من أعضاء سابقين في مجلس الإدارة لم يعيدوا أسهمهم، أي منصور وحمدان وأيوب.
بعد طلب الوزارة، عبر بنك «عودة»، للأسهم من الأعضاء السابقين، أكد الوزير طلال حواط أيضاً أنه سيطلب من الخرافي وحداد وخاطر إعادة الأسهم التي في حوزتهم، بعد تسليم «زين» لإدارة شركة «ميك 2». في المقابل، فإن عضوَي مجلس الإدارة شربل قرداحي وعلي ياسين سيحتفظان بسهميهما، بعد إعادة تعيينهما في مجلس الإدارة الجديد. في هذا الإطار، تلفت مصادر قانونية النظر إلى أنه بعد رفض وزارة الاتصالات، كما القضاء، إعطاء براءة ذمة للشركة ولرئيس وأعضاء مجلس الإدارة بسبب شبهات فساد لا يزال التحقيق مستمراً بشأنها، كان يفترض أن لا يعاد تعيين عضوين كانا في مجلس إدارة «زين»، ولم يحصلا على براءة الذمة. لكن مصادر قانونية مقابلة، تعتبر أنه طالما لا قرار إدانة بحق أحد وطالما أن العضوين المقصودين، هما في الأساس خارج إطار الادّعاء المقدّم، فإنه لا إشكال قانونياً يعيق إعادة تعيينهما، كما يمكن اعتبار إعادة التعيين بمثابة براءة ذمة ضمنية. كما يضيف المصدر: حتى لو كانا في دائرة الشبهة، فإن المتهم يبقى بريئاً حتى تثبت إدانته.
بحسب منصور، فإن توقيت الطلب إليه رد السهم إنما يرتبط بظرف معين ويرمي إلى غاية واحدة وهي «تجريده من صفته لتقديم هذا النوع من الدعاوى والطلبات وعملياً من صفتي للكشف عن الفساد وملاحقته». وهو ما كان جلياً في رسالة «عودة» التي طالبته بعدم استعمال أو الارتكاز على ملكية السهم في أي تصرف. ومن هذا المنطلق، يعتبر منصور، في ردّ أرسله إلى «عودة» في 3 تشرين الثاني، أن الطلب فيه تعارض تام مع قانون حماية كاشفي الفساد الذي يهدف إلى ضمان حماية كاشفي الفساد وتشجيعهم ويمنع اتخاذ أيّ تدابير انتقامية أو ثأرية منهم أو أي عمل من شأنه أن يعيق كشف الفساد أو الثني عنه، تحت طائلة تطبيق أحكام المادة 11 منه.
تركيز منصور على التوقيت، ينطلق أيضاً من تكذيبه لما ورد في كتاب الشركة عن أنه «يستنكف حتى اليوم على الرغم من المطالبات المتكررة عن إعادة السهم الذي يملكه». ويؤكد أن الطلب الذي ورده من «عودة» هو الأول من نوعه، إذ «لم أتلقّ في أي وقت سابق أي طلب مماثل سواء كان خطياً أو شفهياً». ويشير إلى أنه منذ عُيّن مديراً عاماً لتاتش، وقّع العقد مع زين وحصل منها على السهم، وبعدما أنهى عمله، لم يطلب منه أحد إعادة السهم، ولم ينازعه أحد على ملكيته له. لا بل إنه كان يتبلّغ بصفته مساهماً، طوال السنوات الماضية وبانتظام كلّي، الدعوات لعقد الجمعيات العمومية للشركة على اختلافها. كما كان يراسل صاحب العدد الأكبر من الأسهم لتنبيهه إلى واجباته القانونية، بما يؤكد أن «ملكيتي للسهم أمر مسلّم به منذ سنوات وبموافقة بنك عودة الكلية ومن دون أي تعرّض أو منازعة».
أكثر من ذلك يرى منصور أنه «لا يوجد أي إلزام قانوني أو تعاقدي لمنصور بردّ السهم». وهو يؤكد على مطلب تزويده بنسخة عن العقد الائتماني بين «عودة» وبين الدولة اللبنانية و«السند القانوني الذي تستمدّون منه صفتكم لمطالبتي بالتنازل عن السهم لصالحكم، ليبنى على الشيء مقتضاه».
منصور: لم أستعمل السهم سوى لحماية المال العام


أمس، تلقّى منصور رسالة إلكترونية من «عودة للخدمات الخاصة»، رفض فيها الإجابة على طلب تزويده بالعقد الائتماني «لارتباطه بالسرية المصرفية والسرية الناتجة عن العلاقة الائتمانية». بدا ذلك الجواب بمثابة اللاجواب. فهل يشكل ذلك تراجعاً عن طلب السهم؟ فالبنك لم يعلّق على كل ما ورد في الكتاب الموجّه إليه. وقد بدا مستغرباً، بحسب مصادر قانونية، التحجّج بالسرية المصرفية لرفض تسليم العقد الذي يعتمد عليه لطلب السهم. أولاً لأن السرية المصرفية لا تسري على العقود، وثانياً لأن العقود الموقّعة مع الدولة تخضع لقانون حق الوصول إلى المعلومات.
مصادر وزارة الاتصالات تبدو مصمّمة على استرداد الأسهم، بصرف النظر عن مبرّرات منصور ورَد المصرف. وهي تؤكد أنه في حال لم يردّ المعنيون الأسهم التي في حوزتهم، والتي هي ملك للدولة اللبنانية وحدها، فإن الوزارة سترفع دعوى قضائية ضدهم بتهمة خيانة الأمانة.
في المقابل، يؤكد منصور أنه ليس متمسّكاً بالسهم، وهو لم يستعمله يوماً إلا في سبيل الصالح العام، وهو ما تشهد عليه، بحسب رسالته إلى «عودة»، «الدعوى التي طالبت فيها بشطب بند كنتم أنتم الذين بادرتم للمطالبة بإدراجه على جدول الأعمال. كما من المفارقة أنني كنت المساهم الوحيد الذي طالب بالتحقيق في صفقتَي إيجار وشراء مبنى «تاتش» رغم قوة شبهات الفساد فيها، فيما امتنعتم أنتم عن أي إجراء في هذا الخصوص. ومن شأن ذلك أن يثبت أنني أحافظ بصفتي مالك سهم واحد على مصلحة الشركة التي لا تعيرونها للأسف الاهتمام نفسه رغم حيازتكم وإدارة الغالبية الساحقة لأسهمها وتقاضيكم بدلات طائلة للقيام بذلك».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا