«يوم طرح الفيلسوف الفرنسي، روجيه غارودي، نقاشاً علمياً وعرض أرقاماً وقدّم دراسة أكاديمية حول الاستغلال السياسي للمحرقة اليهودية، رفع القضاء الفرنسي دعوى ضدّه، تمّت محاكمته والتشهير به، حُكم عليه بالسجن. هل هذه حُرية التعبير التي تتحدّثون عنها؟»، سأل الأمين العام لحزب الله، السيّد حسن نصر الله، تعليقاً على الأزمة القائمة بين السلطات الفرنسية والمُسلمين في العالم، تنديداً بما اعتبره هؤلاء نشرٌ لرسومات تُسيء إلى النبيّ مُحمّد. هذه المُشكلة التي «بدأت مع نشر رسومات مُسيئة للنبي، ثم تطورت إلى مجموعة أحداث، ومنها ذبح أستاذ التاريخ».

بالنسبة إلى نصر الله، السلطات الفرنسية «أقحمت نفسها ومعها فرنسا، وتُريد أن تُقحم كلّ الاتحاد الأوروبي، في معركة مع المُسلمين لأسباب واهية وأحياناً غير مفهومة». وبدل أن «تُبادر السلطات إلى معالجة الأمر واستيعابه، للأسف أعلنت حرباً وأخذها العناد بأن تُقارب الموضوع بأنّه حرية تعبير وتُكمل بالرسوم الساخرة. ما هي الرسالة التي تُقدمونها (السلطات الفرنسية)؟ ونحن لا نتحدث في شأن سياسي أو صراع أمني، بل في أمر يتعلّق بنبيّ مليارَي إنسان. ما هو الأمر الذي يستحق هذه التضحية منكم، عوض أن تأخذوا الأمور في صدركم؟ يقول (الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون) إنّ لديهم قيَماً، من ضمنها حرّية التعبير، ولا يُريدون التخلّي عنها. يجب أن تُقنعوا المسلمين بأنّ هذا الادّعاء صادق لأنّ لدينا الكثير من الشواهد، في فرنسا وأوروبا، على ممارسات رسمية تمنع حرّية التعبير بل تقمعها، وفي أمور أقل حساسية من شأنٍ كالتعرّض لنبيّ يؤمن به مليارا إنسان». وسأل نصر الله إن كان يوجد شيء اسمه حرية تعبير بالمطلق، «لماذا تقف مثلاً عند حدود السامية؟ إذا نشر أحد مستندات تمسّ بالأمن القومي، كيف تتصرّفون معه؟ إذا كتب أحد شيئاً يُؤدّي إلى حرب أهلية، كيف تتصرفون معه؟».
التعليق على التطورات الأخيرة في فرنسا أتى في مناسبة «ولادة الرسول الأعظم، وحفيده الإمام الصادق، أسبوع الوحدة الإسلامية»، فأطلّ الأمين العام لحزب الله في كلمةٍ أكّد فيها أنّه «لا يُمكن للمسلمين أن يتحمّلوا أي إهانة تتوجّه إلى الرسول العظيم، ويعتبرون أنّ الدفاع عن كرامة نبيّهم في أعلى الأولويات، التي تتقدّم على كلّ الحسابات الأخرى». أدان نصر الله حادثة مدينة «نيس» الأخيرة، حيث قام رجل مُسلم بقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين. «نُدينها بشدّة، ويرفضها الإسلام ولا يجوز أن يحسبها أحد على الدين الإسلامي. لا يجوز تحميل جريمة ارتكبها شخص مُحدّد لدين الشخص، أو لأتباع الدين الذي ينتمي إليه هذا الشخص»، قال نصر الله، سائلاً: «لو قام شخص مسيحي بارتكاب جريمة، وحصل ذلك سابقاً في فرنسا، هل يصحّ أن يخرج أحد ويقول إنّ من يحمل مسؤولية هذه الجريمة هو السيد المسيح أو الدين المسيحي؟ عندما يتحدّث الفرنسيون عن الإرهاب الإسلامي، أو الفاشية الإسلامية، هذا غير موجود. من يرتكب الجريمة هو وحده المُجرم». صحيحٌ أنّ بعض المُسلمين يُسيئون أيضاً بأعمالهم إلى دينهم، «ولكن لا يُبرّر لكم أن تُسيئوا لنبّينا أو مقدّساتنا. الأنبياء، الرسل، مُقدّسات الأمم، يجب أن تُحترم حتى لو خرج مِن داخلها من لا يحترمها».
نصر الله: سنتعاون ونُسهّل قدر المستطاع تأليف الحكومة


أمّا بعد الإدانة والتوضيح، وعوض «تحميل الإسلام والأمّة الإسلامية مسؤولية الأعمال الإرهابية، تعالوا نبحث معاً عن مسؤوليتكم أنتم عن هذه الأعمال والجماعات. هناك فكر تكفيري وإرهابي يتبنّى القتل بمجرّد الاختلاف في أي تفصيل، ويرتكب جرائم وحشية، هذا الفكر أنتم قمتم بحمايته». وهذه «الأنتم» تضمّ، بحسب نصر الله، الإدارة الأميركية والحكومات الفرنسية والأوروبية. وذكّر العالم الغربي بأنّه «قدّمتم للفكر التكفيري كلّ التسهيلات في العالم. أنتم سهّلتم مجيء المجموعات الإرهابية إلى سوريا والعراق، حتّى أصبح لها تجربة وخبرة وروح قتالية. أنتم تُفاجَأون بوجود عمليات قتل؟ هذا بدأ في مناطقنا. من فعل ذلك؟ الذين دعمتموهم أنتم، وفتحتم لهم الحدود... أدعوكم إلى أن ترجعوا إلى أرشيف 2011 - 2012، قلنا لكم ــــ وخصوصاً الأوروبيين ــــ أن لا تكونوا جزءاً من هذه الحرب، لا تُدافعوا عن هؤلاء... لأنّ هذه المعركة ستخسرونها، وهذا الفكر سيرتدّ عليكم. وقلنا التهديد الأكبر على أوروبا لأنّ الولايات المتحدة بعيدة جدّاً. لم تقبلوا، واعتبرتم أنّكم ستنتصرون في هذه الحرب. يجب أن تبحثوا عن مسؤوليتكم أنتم. لا تُحمّلوا المسؤولية لمن لا مسؤولية له. في أفغانستان قمتم بذلك، ودفعتم الثمن في 11 أيلول 2001. وتُكررون الأخطاء نفسها».
توجّه نصر الله في كلمته إلى السلطات الفرنسية، موضحاً أن «لا أحد في العالم الإسلامي يبحث عن عداوات جديدة، بالعكس، المُسلمون يعملون ليُخفّفوا عداوات في العالم ويُبعدوا شبح حروب يدفعون أثمانها دائماً. يجب أن تُفكّروا بمعالجة هذا الخطأ الكبير ولا يكون ذلك خضوعاً للإرهاب. بل إنّ الإصرار عليه والذهاب في مواجهات هو الخضوع والانجرار مع مطالب الإرهابيين الذين يُريدون تفجير كلّ الساحات في العالم».
في سياق المناسبة نفسها، ولادة النبيّ محمد، كانت لفتة من السيّد نصر الله إلى الشعب اليمني المُحاصر. «بالرغم من الحرب المُدمّرة، من الحصار والتجويع والأوضاع المعيشية الصعبة والأوبئة والأمراض... نجد هذه الجماهير الضخمة تجتمع في المُدن اليمنية من أجل إحياء ذكرى مولد رسول الله والدفاع عنه. أليس هذا رسالة قوية يجب أن يتوقّف أمامها العالم؟». اليمنيون أيضاً «يُعلنون تمسّكهم بالقضية الفلسطينية والدفاع عن شعب فلسطين، في مقابل المُرفّهين والغارقين في ملذّات الدنيا الذين لم يدخلوا أساساً حرباً مع العدو، ويُسارعون إلى التخلّي عن فلسطين والتطبيع مع «إسرائيل». اليمنيون يؤكّدون وقوفهم إلى جانب دول وحركات المقاومة في مواجهة المشاريع الأميركية والصهيونية، وهم أحوج من يجب أن يُدافَع عنهم». وشدّد نصر الله على أنّه «آن الأوان للحرب على اليمن أن تقف».
ملفات عديدة كان نصر الله يُريد الحديث عنها، أمس، لكن بسبب ضيق الوقت قرّر تأجيلها إلى 11 تشرين الثاني، فسيتكلّم بمناسبة «يوم شهيد حزب الله». غير أنّه لم يختم من دون المرور سريعاً على موضوع تأليف الحكومة الجديدة في لبنان. فأكّد أنّ «أوضاعنا المالية والاقتصادية والاجتماعية لا يُمكن أن تُدار من دون حكومة، والاستمرار في حكومة تصريف أعمال». المُعطيات التي يملكها هي «أنّ الأجواء جيّدة، من دون أن نُبالغ بالإيجابية». من جهة حزب الله، «سنتعاون ونُسهّل قدر المستطاع»، مُشيراً إلى أنّ الأخبار المتداولة عمّا يتعلّق بمواقف وشروط حزب الله «بعضها غير دقيق وبعضها لا أساس له من الصحّة. نحن إيجابيون، وسنبقى. الوقت ليس للمشاحنات والتناقضات، بل للتفاهم والتعاون والانفتاح».
ختام كلمة الأمين العام، مع «ارتفاع الأرقام الخطيرة للإصابات بـ«كورونا» يبدو أنّ الكثير من الناس يتعايشون مع الموضوع. هذا التساهل هو غير إنساني وأخلاقي وشرعي، هو إثم وحرام ومعصية. نحن في لبنان لا يُمكن أن نُكمل هكذا. الموضوع مسؤولية إنسانية ترتبط بالجميع». فالمطلوب ليس أكثر من «التزام الكِمامة، والتباعد الاجتماعي، والتعقيم. ممكن التعايش من خلال الالتزام، وإلا فنحن ذاهبون في مسار خطير جدّاً».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا