العام الماضي، أتت الحرائق التي اشتعلت في عددٍ من المناطق على مساحات واسعة من محاصيل التبغ في منطقة الجنوب. يومها، لم يعوّض أحد على المزارعين، رغم المطالبات المتكررة برفع الأسعار 20% لتعويض الخسائر. هذا العام، وفي التوقيت نفسه أيضاً، احترقت محاصيل تبغ جديدة في المنطقة نفسها. ورغم أن المساحات المحترقة كانت أقلّ من العام الماضي، إلا أن خسارتهم هذا العام كانت مضاعفة. فعدا خسارة الحريق، كان ما فعلته الأزمة المالية الاقتصادية التي زادت معها تكاليف زراعة التبغ أضعافاً مضاعفة. لذلك، بدأ هؤلاء حركة احتجاجية علّهم يوصلون أصواتهم قبل أن تتسلّم إدارة حصر التبغ والتنباك (الريجي) محاصيلهم مطلع الأسبوع المقبل.من الجنوب إلى البقاع والشمال، يطالب المزارعون الدولة بإنصافهم لمواجهة الأزمة المستمرة منذ موسمين، من خلال زيادة أسعار تسليم محصول التبغ بنسبة 150%، بما يعوّض عليهم على الأقل ما دفعوه من تكاليف على الموسم بالدولار والحفاظ على هامش ربحٍ ضئيل يكفي لسدّ لقمة العيش. ينطلق هؤلاء في حساباتهم التي أوصلتهم إلى تلك النسبة من واقع أن «ما كان يسري العام الماضي لم يعد يسري اليوم»، على ما يقول المزارع حبيب ياغي. ففي السابق، كان يُراوح سعر كيلو التبغ بين 10 و15 ألف ليرة، بحسب نوعية التبغ. أما اليوم، فقد باتت هناك استحالة للاستمرار مع هذا السعر، خصوصاً أن المزارعين يدفعون تكاليف الزراعة بالدولار أو ما يعادله بالليرة بحسب سعر الصرف في السوق السوداء. وهذا ما لا يجدونه «مُنصفاً»، يقول حبيب. يعدّد هذا الأخير بعض ما يتكلّفه المزارعون، بدءاً من المستلزمات الزراعية إلى الأدوية والأسمدة والحراثة وغيرها. فعلى سبيل المثال، «العام الماضي، كنا نشتري شوال الكيماوي بعشرين دولاراً أي 30 ألف ليرة، أما هذا العام فقد دفعنا لقاء الشوال 160 ألف ليرة». مثل كافٍ للقول: «إننا لن نقبل هذا العام بالـ12 ألف ليرة». على الأقل، ما يطلبه هؤلاء أن يصبح سعر كيلو التبغ «قريباً لسعر كيلو اللحمة أو الشاي». في السابق، كان يحسب هؤلاء أرباحهم بتلك الطريقة «كيلو التبغ كان يشتري كيلو لحمة أو كيلو شاي». هذا العام، أسوأ أنواع الشاي يباع بـ30 ألفاً وكيلو لحم البقر بـ35 ألفاً و40 ألفاً، فكيف يمكن أن يبقى سعر التبغ بـ12 ألفاً أو 15 ألفاً؟
يطالب المزارعون بزيادة 150% على الأسعار فيما وافقت المالية مبدئياً على 50%


هذه حسابات بسيطة، ولكنها بالنسبة إلى مزارعي التبغ هي حياتهم التي سيعيشونها بين موسمين. مع ذلك، لا يبدو أن ما يحتسبه المزارعون يطابق ما يمكن أن تقوم به الدولة، إذ يشير رئيس اتحاد نقابات التبغ في لبنان، حسن فقيه، إلى «أننا كاتحاد طالبنا بنسبة زيادة 150%، إلا أن وزارة المالية وافقت مبدئياً على الزيادة بنسبة 50%، على اعتبار أن هذا أقصى الممكن في مثل هذه الظروف». لكن، إلى الآن لا يُبدي المزارعون تجاوباً مع ما «فرضته» الدولة. هذا ما يقولونه انطلاقاً من أن السعر الموافق عليه غير متوازن ولا يغطي جزءاً من التكاليف التي دفعها المزارعون. ولهذا السبب، يلفت فقيه إلى أن ثمة لقاء اليوم بين إدارة الريجي واتحاد نقابات مزارعي التبغ للاتفاق على كل شيء «بما في ذلك تفصيل باريم التسعير وكيف سيكون التسليم».
ينتظر المزارعون هذا الاجتماع، فهو ضربتهم الأخيرة قبل بدء التسليم في منطقة الجنوب الإثنين المقبل في السادس والعشرين من الجاري. وهي المنطقة التي تنتج وحدها خمسة ملايين كيلوغرام، فيما تنتج منطقتا البقاع والشمال 3 ملايين كيلوغرام.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا