«تسقط سلطة رأس المال»، لم يكن موقفاً مُعمّماً أو مقبولاً لدى الشريحة الأكبر من المواطنين، على ما يقول مسؤول تنظيم قطاع الشباب المركزي في الحزب الشيوعي اللبناني، رغيد جريديني. بعد انتفاضة 17 تشرين الأول، «باتت أفكارنا مقبولة أكثر، ومن كان ينتقدها ويعتبرها لُغةً خشبية، تبنّاها أيضاً». هذه واحدة من «إيجابيات» أحداث السنة المُنصرمة على الحزب اليساري.تُعتبر «لحظة 17 تشرين»، هبّة شعبية «ضخمة» ضدّ سياسات المنظومة الحاكمة، متوائمة مع عمل «الشيوعي» في السنوات الأخيرة. لذلك، اعتبرها البعض «التوقيت الصائب» ليتمدّد مشروع الحزب الشيوعي أبعد من الدائرة «الآمنة» التي بقي لسنوات أسيراً لها. فهو قد يكون من الأقرب إلى هموم الناس ومصالح الطبقات الاجتماعية المُتضرّرة من «النظام». «خيّب» الحزب الشيوعي توقعات من كان ينتظر منه حضوراً أكبر. الانتقادات لعمله تعدّدت بين بقائه أسيراً للعمل «التقليدي»: ندوات، تظاهرات، بيانات... من دون عمل جماهيري ينطلق من «تحت» ويُشرك القاعدة في بناء «مشروع ثوري»، ومن جهة ثانية «ذوبانه» في بعض مجموعات الانتفاضة - ولا سيّما «الصديقة» لمنظمات «المجتمع الدولي» وأنظمة الغرب - التي أكسبت نفسها «شرعية ثورية» وباتت تُمارس «ترهيب المواقف» بحقّ البقية، فتغلّب على «الشيوعي» هاجس «المُساكنة» معها وبدا مُرتبكاً في التعبير عن مواقفه، خاصةً أنّ هذا النقاش انتقل إلى داخل أروقته. فهل فعلاً «فوّت» الحزب على نفسه فرصة «17 تشرين»؟
يقول مسؤول العلاقات الخارجية في «الشيوعي» عمر ديب إنّهم «في حالة تقييم دائمة لحركتنا». البداية من اعتبار «هذه الانتفاضة أعظم وأهم ما حصل في تاريخ لبنان المعاصر، ونعتبر أنّ خطابنا لتغيير النظام لاقى تجاوباً شعبياً كبيراً». إيجابيات عديدة لقِيها «الشيوعي» في السنة الماضية، «أولاها أن تحمل شريحة اجتماعية كبيرة شعارنا ومطلبنا، وقدرة مسؤولينا على الحضور بين الشارع خلافاً لمسؤولي أحزاب أخرى، من خارج السلطة أو داخلها، طُردت من أماكن عديدة». وثانياً، «وجود مئات طلبات الانتساب الجديدة». ولكن لم يكن هذا جُلّ الطموح، «نعم أسقطنا حكومات، وخلخلنا صفوف الأحزاب، ولكن لم نتمكّن من إحداث تغيير في بنية النظام». الأسباب عديدة، يُعدّدها ديب: «قوة قوى السلطة وقدرتها على التأثير في مسار الأمور عبر انخراطها في الانتفاضة، كالقوات والكتائب، وتخوين الانتفاضة وقمعها كما فعل كلّ من حزب الله وحركة أمل». العامل الثاني هو «ضعف اليسار - نسبياً - فلم يكن قادراً على القيادة». الانتفاضة كانت «حالة شعبية واسعة تتعدّد فيها التوجهات والآراء، وقوى المعارضة فيها مُشتتة وغير مُتفقة على وجهة مُحددة، بين قوى لا تُريد التسييس، وقوى مُرتبطة بالسلطة، وقوى قائمة على التمويل الأجنبي، والقوى الحاملة فعلاً همّ التغيير ولكن خلافاتها السياسية منعتها من بناء قيادة موحدة». حاول «الشيوعي» الالتقاء مع هذه الفئة الأخيرة، «طرحنا مُبادرة في الأيام الأولى للانتفاضة، ونظّمنا ثلاثة لقاءات نجحنا في جمع عدد كبير من الأشخاص، الأصعب كان إنضاج برنامج متكامل».
كان صعباً إنضاج برنامج متكامل مع بقية المجموعات


النقد أيضاً بَلغ ضلعاً من أضلعته: قطاع الشباب والطلاب الذي «لمع نجمه» عبر خطابه وعمله ضدّ السياسات المالية والنقدية، هاجم القطاع المصرفي من مُنطلق الدفاع عن حقوق المودعين... واختفى. «مُستمرون في العمل ولكن بأساليب جديدة»، يقول رغيد جريديني، ذاكراً صعوبات عديدة، منها «القدرة المادية الضعيفة، وظروف الناس الذين خسروا وظائفهم فاختلفت أولوياتهم، ووباء كورونا الذي حدّ من حركتنا. وطبعاً هناك العوامل الذاتية بوجوب العمل على التنظيم والخطاب أكثر، والتحدّي هو تثبيت شعاراتنا مع القاعدة غير الحزبية». يتحدّث جريديني عن «شبكة علاقات زبائنية بين أحزاب وتُجّار مُحتكرين تُسيطر على حقوق الناس الأساسية... يوجد تحدّ أمام قوى التغيير في أن تبني شبكة علاقات شعبية نقيضة لها، مثلاً تفعيل التعاونيات». بالنسبة إلى عمر ديب، هناك خياران «إما إطاحة النظام، أو تنتصر قوى السلطة من جديد». ماذا يجب أن يحصل في المرحلة المقبلة؟ «برنامج يجمع في الحدّ الأدنى جزءاً كبيراً من القوى اليسارية والديمقراطية والعلمانية والنقابات، ويكون أساس الاتفاق بينها قائم على ضرب التركيبة الطائفية للنظام، والاقتصاد المُرتبط بالريع والمصارف والتبعية للغرب».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا