تراجعت «الاحتفاليّة» الإسرائيلية في أعقاب الجولة الأولى من المفاوضات غير المباشرة مع لبنان على ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين. وكما كان متوقعاً، عمدت «إسرائيل» الى الاكتفاء بإصدار بيان رسمي لم تبدِ فيه أي توصيف لعملية التفاوض، مكتفية بالحديث التقني عنها، والاتفاق على جدول أعمال اللقاءات المقبلة.«تقنية» البيان الرسمي قابلها أيضاً بيان هادف وموجّه صدر عن وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتس، الذي أكد أن تل أبيب قررت مواصلة التفاوض مع الجانب اللبناني بما يتعلق بترسيم الحدود البحرية، وذلك بعدما أنهى الجانبان جولة تفاوض قصيرة. وفي بيان صدر عن مكتبه، أضاف شتاينتس إنه وافق على أن يمضي الوفد الإسرائيلي قدماً في المفاوضات «من أجل إعطائها فرصة».
بيان وزارة الطاقة الإسرائيلية وبيان وزيرها «حمّالا أوجه»، وإن كانا يميلان الى السلبية، أو بعبارة أدقّ، إلى «اللااهتمام»، وكأنّ التفاوض مع لبنان وما يحمله من فرص للعدو، حيث يكمن التهديد الاستراتيجي للدولة العبرية في أكثر من اتجاه، لا يحتلّ موقعاً متقدّماً في سلّم أولويات تل أبيب.
هدف الامتناع عن تظهير الاهتمام يأتي في سياق استراتيجية منع الجانب اللبناني من استغلال «اللهفة» الإسرائيلية للمفاوضات التي سعت إليها طويلاً، إنْ أفرطت في تظهيرها. كان واضحاً مما ورد من تل أبيب في أعقاب الجولة الأولى من المفاوضات، أن الجانب الإسرائيلي يعمل على إفهام الوفد اللبناني ومن خلفه الإدارة اللبنانية للتفاوض، أن «إسرائيل غير متلهفة» للإسراع بإيجاد حل ما للخلاف بين الجانبين، على نقيض الجانب اللبناني، الذي يسابق الزمن، بحسب تل أبيب، لإيجاد حل لأزمته الاقتصادية الحادة من خلال التفاوض مع «إسرائيل» كي يتمكن من استخراج غازه ونفطه.
في بيان شتاينتس تهديد غير مباشر للبنان، أنه يمكن «إسرائيل» إنهاء المفاوضات ومنع إيجاد حل للخلاف بنتيجة الاتفاق، إن وجدت أن الجانب اللبناني لا يتماشى مع ما تراه مناسباً لها. تهديد مبنيّ على اعتقاد مفرط للعدو أن من شأن أزمة لبنان الاقتصادية أن تدفع المفاوض اللبناني إلى الرضوخ للإملاءات الإسرائيلية، مقابل تمكينه من التنقيب عن غازه واستخراجه.
في السياق نفسه، جاءت التعليقات من تل أبيب، إذ أشارت إذاعة «مكان» (الناطقة بالعربية) الى أنه في ختام الجولة الأولى من ترسيم الحدود في الناقورة، يسود «التفاؤل الحذر» لدى الجانب الإسرائيلي من فرص نجاحها، مشيرة الى أنه تقرر أن تكون الجولة الثانية من المفاوضات، بعد أسبوعين.
وكانت وزارة الطاقة الإسرائيلية قد أشارت في بيان أمس الى الآتي: «عقد اليوم (أمس) الوفد الإسرائيلي للمباحثات حول المياه الاقتصادية بين إسرائيل ولبنان، وهو الوفد الذي يترأسه المدير العام لوزارة الطاقة أودي أديري، أول لقاء مع الوفد اللبناني في مقر قوة اليونيفيل في الناقورة. بحث الجانبان خلال اللقاء الافتتاحي الذي حضره الوسيطان الأميركيان (مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، الموالي لإسرائيل) ديفيد شينكر، و(السفير الأميركي السابق في الجزائر) جون دورشر، الإجراءات المتعلقة بمواصلة المباحثات بينهما، كما حددا جدول الأعمال للمباحثات المقبلة».
شددت صحيفة «إسرائيل اليوم» على ضرورة خفض سقف التوقعات من المفاوضات


في التعليقات، شددت صحيفة «إسرائيل اليوم» على ضرورة خفض سقف التوقعات من المفاوضات مع لبنان، وإن كان من المفيد، وفقاً للصحيفة استحضار ضائقة لبنان المالية وأزمته الاقتصادية، الأمر الذي من شأنه التأثير على وجهة المفاوضات ونتيجتها، إذ إن «لبنان الذي يعاني من اقتصاد هشّ ما زال يستورد النفط لأنه لم ينجح في تأمين حاجاته من الاكتشافات الغازية والنفطية، في مقابل إسرائيل التي تصدّر الغاز الطبيعي ولا تعتمد على استيراد الطاقة».
وكانت ورقة بحثية قد صدرت في اليومين الماضيين عن معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، حاولت الإجابة عن أهم الأسئلة التي تثيرها المفاوضات على ترسيم الحدود البحرية بين «إسرائيل» ولبنان، وهي مستقبل العلاقة ببن الدولتين إن نجحت عملية التفاوض. ووفقاً للبحث، «أنْ يؤدي التوصل الى اتفاق حول الحدود البحرية بين الجانبين إلى تغيير استراتيجي للأفضل في العلاقات بين الطرفين، هو احتمال ضئيل. السبب يعود الى حزب الله الذي يحافظ على مكانته ونفوذه في لبنان، وبما يشمل كذلك التحالف مع الحزب المسيحي الرئيسي في لبنان، التيار الوطني الحر، بقيادة الرئيس اللبناني، ميشال عون».
مع ذلك، تشدد الورقة البحثية بمناسبة التفاوض على الحدود البحرية، على أنّ ما «يؤدّي ويمهّد الطريق أمام مسار التقارب بين لبنان وإسرائيل، هو التفاهم مع فرنسا والولايات المتحدة، لإرساء معادلة تبادلية مع اللبنانيين: المساعدة المالية والاقتصادية مقابل إيجاد حل للملفات الخلافية مع إسرائيل بما يضمن (لها) استقراراً أمنياً في مواجهة الساحة اللبنانية، وهذه المساعدة أيضاً تكون مشروطة بخطوات لاحتواء نفوذ حزب الله في لبنان».
وتشير الورقة الى دور أساسي أيضاً للدول الخليجية، الحلفاء الجدد لـ«إسرائيل»، إذ تعرض مساعدة لبنان للخروج من أزمته الاقتصادية مقابل تغيير تدريجي في السياسة اللبنانية تجاه «إسرائيل» وكذلك في العلاقة مع حزب الله. أما اللافت في الورقة، فهي المطالبة «بضرورة تفعيل التواصل بين الإسرائيليين وجهات لبنانية فاعلة غير حكومية من كل القطاعات والأعراق، الأمر الذي يتيح التعرف على مجالات الاتفاق المحتملة ومحاولة جَسر مجالات الخلاف».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا