وفاة سجينٍ في سجن رومية المركزي خبرٌ لن يكترث له أحد، ولن تتداوله وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي طالما أن لا علاقة للوفاة بفيروس كورونا، على ذِمّة قوى الأمن الداخلي. بالطبع، لن يسأل أحد عن اسم السجين، أو حالته الصحية لدى دخوله السجن، ولا عن السنوات التي قضاها خلف القضبان، ولا ما إذا كان مُذنباً أو مظلوماً. لن تُكلِّف وفاته الدولة سوى إجراءات روتينية للتعامل مع جثمان ملفوف بقماش يُسلّم الى ذويه من مستشفى الحياة في بيروت. لم يكن لمحمود فرح (٥٣ عاماً) من اسمه نصيب، إذ فارق الحياة قبل شهرين من خروجه إلى الحرية مع انتهاء محكوميته بالسجن لخمس سنوات.كان فرح أحد موقوفي أحداث عرسال، وقد أدانته المحكمة العسكرية بالإرهاب، علماً بأنّه لم يكن ملتزماً دينياً بشهادة جميع السجناء الذين يعرفونه. سُجِن في المبنى دال في السجن المركزي، وكان ينام في حمّام السجن ودورات المياه. لم يكن محظياً بين السجناء، بل كان مادة للتندّر والسخرية لبساطته. وبسبب فقره، لم يكن قادراً على شراء الطعام أو الدواء، وكان السجناء يعطفون عليه ببقايا طعامهم وببعض السجائر، علماً بأنه أبٌ لأربعة أطفال يقيمون مع والدتهم في فقر مُدقع في أحد مخيمات النازحين السوريين في عرسال. وهو أُصيب بالمرض في السجن، قبل أن تتدهور صحّته بسبب ظروف الاحتجاز السيّئة وتتفاقم حالته بسبب سوء الرعاية الطبية لينتهي به المطاف في براد الموتى. «كوكتيل» من أمراض من الربو والسكري والضغط والتهاب المفاصل سببت له الشلل، حتى أصبح لا يستطيع الوقوف على قدميه وصار يتغوّط على نفسه.
عائلة محمود قالت إنّ أخباره انقطعت منذ عيد الأضحى الماضي. إذ إنّ وضعه الصحّي السيئ كان يحول دون اتصاله بهم. فيما ظروفهم المادية الصعبة كانت تحول دون زيارته. وقبل أسبوعين، وردهم اتصال من داخل السجن أُبلغوا فيه أنّ محمود يرقد في المستشفى في حالة صحية حرِجة. وعندما جاءت زوجته لزيارته، لم يُسمح لها بالمكوث معه سوى دقائق قليلة، قبل أن يردها اتصال أول من أمس يُخبرها بوفاته. وقد ذكر بيان قوى الأمن الداخلي أنّ السجين أدخل إلى أحد المستشفيات منذ 30 آب 2020، قبل انتشار الفيروس داخل السجن، «لتلقّي العلاج، كونه يعاني من مرض في القلب والمفاصل». توفي محمود فرح، فيما لا يزال كثيرون مدفونين في «مقبرة الأحياء» في رومية، في انتظار بيان جديد لقوى الأمن عن «سجين توفي بعد نقله للعلاج»!

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا