الإشهار، هو السلاح الذي تفرضه الولايات المتحدة الأميركية على جماعتها في العالم العربي. هكذا قرّرت إدارة الرئيس دونالد ترامب أنها تحتاج لإنجاز خارجيّ يمكن صرفه داخليّاً. وهو حال بنيامين نتنياهو أيضاً. فكان على التابعين في الخليج العربي، وعلى رأسهم القراصنة من أبناء زايد، الانصياع فوراً. أُبلغوا بضرورة إشهار علاقتهم مع إسرائيل، والسير في تحالف علني مع العدو الذي سيظلّ العدو الأول للعرب، وهو تحالف لن يخدم الفلسطينيين أصلاً، كما لن يخدم أبناء الجزيرة العربية، وحتى أنه لن يخدم أبناء زايد أنفسهم.وعلى ما فعل بهم أربابهم، قرّروا أن يفعلوا الأمر نفسه بعبيدهم. هكذا قرّرت أبو ظبي أنّ على كلّ من يتقاضى منها قرشاً، أو يتنعّم بحمايتها، أن يُشهر موقفه في معارضة كلّ خصوم التحالف الإماراتي - الإسرائيلي. وفي حالتنا نحن، هنا في بلاد الشام، فإن الخصوم الذين تريد أبو ظبي شتمهم والتحريض ضدّهم، هم في الأساس قوى وفصائل لبنانية وسورية وفلسطينية ويمنية وعراقية منضوية ضمن محور المقاومة.
ليس هناك سوى جهة كالإمارات تقدِر على جمع متناقضات لبنانية حول موقف واحد. ترى ما الذي يجمع نديم الجميل وريشار قيومجيان ووئام وهاب وصحافيين في مواقع القوات اللبنانية الصريحة (موقع القوات الرسمي) أو المكتومة (ليبانون ديبايت) أو صحافيين في «النهار» و«نداء الوطن» ومحطّة «إم تي في» وجوقة الإعلام السعودي العامل في دبي، وناشطين من جماعة «الساو ساو»، والمنشقّين عن تيار «المستقبل»... ما الذي يجمع كلّ هؤلاء، لمهاجمة قائد حركة حماس اسماعيل هنية؟
لا شيء يجمعهم، سوى الإمارات العربيّة المتّحدة!
أبو العبد، هكذا يُعرف المجاهد الكبير اسماعيل هنية، وهو لاجئ في مخيمات قطاع غزة، عاش كلّ حياته هناك، وانضم إلى حركة حماس مع مؤسّسها الشهيد الشيخ أحمد ياسين الذي اغتالته إسرائيل ربيع عام 2004. وأبو العبد، مناضل يعرفه الناس جيداً، ويعرفون خصاله، وهو لم يكن يوماً من جيل القيادات الفلسطينية، بما في ذلك، قيادات الحركة الإسلامية الذين غرّتهم الدنيا، وظلّ على ما هو. لا تزال في الأذهان صورته عند معبر رفح، يأبى الهروب من استحقاق العودة إلى القطاع، ويقاوم برقيّ التعسّف المصري اللئيم ضده. وأبو العبد، مشروع شهيد كلّ يوم، وهو رفيق السلاح لجيل من القادة الشهداء في فلسطين، ولم يكن يوماً رجلاً غليظ القلب أو اللسان، أو عبوس الوجه، كما لم يكن قاسياً في حق خصومه. أبو العبد هذا، جاء إلى بيروت متأخّراً سنوات طويلة. كانت بيروت تنتظره كما انتظرت كلّ المقاومين العرب للاحتلال الصهيوني والاستعمار الأميركي.
كلمة السر بالهجوم عليه إماراتية وأميركية. منفّذها أو المشرف عليها، ذلك الجاسوس الوضيع الذي يعمل مستشاراً للأعمال القذرة عند أبناء زايد، هو محمد دحلان، الذي يطمع بأن يكون رئيساً لفلسطين. وفي كل مرة، تقترب فيها حماس من قيادة منظمة التحرير سعياً لوحدة فلسطينية، ينظر الدحلان إلى الأمر على أنه مسمار في نعشه السياسي. والدحلان، أستاذ في الفساد وشراء الذمم. يفعل ذلك في فلسطين، حيث يتولّى أيضاً مهمة السمسار في بيع أملاك مقدسية للصهاينة أيضاً. وهو ملك الفساد في مصر، حيث يفتخر بنفوذه الكبير في كلّ المواقع المصرية القيادية السياسية والأمنية وحتى الإعلامية. وهو أيضاً، ملك التحريض على الفتنة في اليمن وفي ليبيا وفي سوريا وأيضاً في العراق.
الدحلان له في لبنان رجاله، سواء الذين انشقوا عن حركة فتح، أو الذين تركوا النضال من أجل التمتّع بمباهج الحياة في سنوات التقاعد. وهو أيضاً، يقدر على لعب دور الوسيط بين شخصيات لبنانية وبين قراصنة أبو ظبي. يرتب المواعيد ويؤمّن الدعم والتمويل، ويسعى في كل الوقت إلى انتزاع موقع بارز ودائم في بيروت. وحيث لا يقدر على الحضور مباشرة، يرسل زوجته مع جمعية تقول بمساعدة الناس الفقراء، لكنها الغطاء الكفيل بشراء ذمم، إما لنقل الولاءات أو للتحييد... والدحلان، وجد نفسه مضطراً لأن يقدّم الخدمة الكبيرة المزدوجة، له، وفق حساباته الفلسطينية، ولقيادة الإمارات، وبما يمكن صرفه عند الأميركيين والإسرائيليين. وبذلك، كان قراره إشعال حملة عدائية ضد زيارة أبو العبد إلى بيروت.
قراصنة أبو ظبي يفرضون على جماعتهم إشهار عدائهم للمقاومة ويحرّكون جوقة الهجوم على زيارة هنية إلى لبنان

تزامن ذلك مع خطوات أميركية في بيروت للاحتجاج على استقبال هنية. سبقتها خطوة قرّرت قيادة حماس عدم التعليق عليها، ومعالجتها بهدوء. فقبل أيام، وفيما كان القيادي في حماس علي بركة آتياً إلى بيروت من تركيا، أوقفه عناصر الجمارك بذريعة أنه يحمل معه مبلغاً من المال. بركة عرّف عن نفسه، ولم يخفِ هويته ولا صفته. جمارك المطار خابروا المحامي العام التمييزي القاضي غسان خوري، الذي أمَر بإحالة بركة والأموال المضبوطة معه إلى مديرية المخابرات في الجيش. وبعد سلسلة اتصالات، أمر المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات بترك بركة حرّاً وتسليمه المبلغ المالي الذي كان يحمله. على أنّ المشكلة ليست في أصل سؤال أي شخص يصل إلى المطار عن الأموال التي يحملها، بل في أن المسؤول عن جمارك المطار اعتبر أن مجرّد ذكر كلمة «حماس» أمامه يعني أمراً جنائياً يوجب مخابرة النيابة العامة. والمحامي العام التمييزي رأى في ذلك شأناً يمسّ الأمن القومي اللبناني، ما يدفع إلى تكليف مخابرات الجيش بالتحقيق. ربما لا يعرف هؤلاء، الضابط الجمركي والقاضي، أن الحفاظ على الأمن القومي في لبنان يوجب التحقيق معهما. فأصل اعتراض سبيل القيادي في المقاومة الفلسطينية هو مطلب أميركي رسمي. والتحقيق يجب أن يكشف كيفية وصول هذا المطلب إلى جمارك المطار، وما علاقة المحامي العام التمييزي بذلك.
الذين يهاجمون أبو العبد صنفان. صنف كان يركض ويُجري كل الاتصالات عسى يفوز بنظرة من السفير الفرنسي في بيروت، أو مقعد على طاولات ديفيد شينكر؛ ونوع آخر يعتقد أن الهجوم على تركيا وقطر من خلال الهجوم على هنية يخدم الهدف نفسه... لكن كل هؤلاء فاتهم أن بيروت لن تكون تحت سيطرتهم مهما تكالبوا على لبنان، وأن المقاومة ستظل فخر هذا الشعب، شاء من شاء وأبى من أبى. وأبو العبد، هو الزائر الذي يحمل معه الفخر والعزة والثقة بالنصر الأكيد على الاحتلال وأعوانه وعملائه. وحضور أبو العبد بيننا، هو فخر لنا، وشكراً له أنْ قبِل استضافتنا له، وعفواً منه عن كل تقصير.
أبو العبد، أنت ضيفنا الجميل متى قررت الحضور. أما هؤلاء، فلا نسمع منهم سوى صراخ الواقفين عند حافة القبر!

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا