عندما شرعت وزارة الاقتصاد والتجارة في «مفاوضاتها» مع نقابات أصحاب المخابز والأفران حول الكلفة المحتملة لربطة الخبز الأبيض، قبل إقرار زيادة سعرها، حاول هؤلاء تحميل الرغيف أكلافاً وهميّة ليست سوى جزء من الأرباح التي يحاولون تمريرها. في الورقة التفصيلية لكلفة الرغيف، يومها، وضع أصحاب المخابز والأفران أرقاماً مضخّمة، بالمئات، لإجازات عمل العمال الأجانب محاولين تمريرها كجزء من الكلفة. ويومها، أيضاً، مرّت الأرقام مرور الكرام ولم يكلّف أحد في الوزارة نفسه التثبّت من صحة الأرقام التي لم يكن أصحاب الأفران يملكون أيَّ مستند يُثبت دقّتها. مع ذلك، كان الجميع يعلم أن الرقم الحقيقي أقلّ بكثير. بتحديد أكثر، لم يكن هناك أكثر من 225 إجازة عمل للأجانب العاملين في الأفران على كامل الأراضي اللبنانية وفق أرقام وزارة العمل اللبنانية، ما يعني أنّ أصحاب الأفران «يسرقون» تعب العمال الأجانب، من خلال حرمانهم من حقوق بديهية ينصّ عليها القانون.في الأفران، عمّال كثر يعيشون حياة ظلّ بلا أيّ مكتسبات، وهؤلاء يُقدّرون بالآلاف، بحسب نقابة عمال الأفران، فيما عدد إجازات العمل والمسجلين في الصندوق الوطني الاجتماعي لا يتخطّى الـ300 عامل، «وبعضهم ليسوا أصلاً عمّال أفران»، بحسب تأكيد نقيب عمال الأفران في بيروت وجبل لبنان شحاده المصري.
قبل أيام، بدأ أصحاب المخابز والأفران «فنعة» جديدة بتحذيرهم من أزمة «مستجدّة» في القطاع تتعلّق بفقدان اليد العاملة الخبيرة في صناعة الخبز، ولا سيما الأجنبية منها. وقال رئيس نقابة أصحاب المخابز في بيروت، علي ابراهيم، إن الأفران تعاني من «نقص حادّ في اليد العاملة الأجنبية، خصوصاً أنه ما عنا يد عاملة لبنانية بتصنع الخبز». وقد أتت الشكوى متزامنة مع تشديد وزارة العمل وغيرها من الوزارات على توظيف اليد العاملة اللبنانيّة والتخفيف من الاستعانة بتلك الأجنبية.
أمام هذا المشهد المستجدّ، يجد ممثّلو نقابات عمّال الأفران (وهم في غالبيتهم من اللبنانيين) أنفسهم معنيّين بهذا النقاش. ينطلق هؤلاء في نقاشاتهم من أمرين أساسيين، أولهما أن الحديث عن فقدان اليد العاملة الأجنبية «ليس دقيقاً، ففي أصعب ظروف الحرب لم يترك هؤلاء أعمالهم»، يؤكد المصري. ولذلك هي شكوى لـ«التعمية عما يقوم به أصحاب الأفران بحقّ العمال الأجانب. إذ يحرمونهم من كل شيء، بما فيه حقوقهم ومكتسباتهم من خلال الامتناع عن تسجيلهم في الضمان الاجتماعي»، على ما يقول كاسترو عبد الله، رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين. من هنا، فهذه الشكوى «ليست سوى محاولة للهرب من إنجاز إجازات العمل للعمال كي ينفدوا من تطبيق القانون، خصوصاً في ظلّ الدعوة للعمل وفق القانون»، يضيف المصري.
العمّال الأجانب بالآلاف والمسجّلون لا يتعدّون الـ 300 في كلّ لبنان!


أما الأمر الآخر، فهو ما يتعلّق بالعمّال اللبنانيين. يرفض هؤلاء اللازمة التي يتمسّك بها أصحاب الأفران من «أن اللبناني ما بيشتغل شغل الأجنبي». والدليل على ذلك، أن «هناك اليوم لدى المؤسسة الوطنية للاستخدام لائحة بأسماء عمال لبنانيين يطلبون العمل في الأفران»، مؤكّداً أن «الأفران ترفض توظيف اللبنانيين خوفاً من المطالبة بحقوقهم وبالتسجيل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي».
من هنا، لا تفسيرات كثيرة لـ «الأزمة المستجدة» التي من المتوقّع أن تصبح «اللازمة» الجديدة لأصحاب الأفران. التفسير الأقرب إلى حكاية ذلك القطاع هو أن أعضاء الكارتيل «يستميتون في محاولاتهم لعدم تطبيق قانون العمل على العمّال لديهم»، على ما يقول عبد الله. أمّا الحديث عن أن «اللبناني ما بيشتغل شغل السوري»، فلم يعُد مجدياً، ويمكن العودة إلى لوائح المؤسسة الوطنية للاستخدام التي امتلأت بأسماء عمّال لبنانيين ينتظرون فرصة عمل لا يهمّ أين تقع، سواء كانت عند باب «بيت النار» أو «الجورة».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا