سبعة من وزراء الحكومة الحالية أجابوا صحافيين، من بينهم أنا، أن الحكومة «تقوم بما في وسعها» لمواجهة المشكلات. لكن المشترك بينهم هو «النق» بطريقة لا تميزهم عن أي مواطن. بعضهم يعبر عن تعبه وإحباطه من التعقيدات التي تواجهه، وبعضهم تبين أنه أجرى تواصلاً مع شركات كان يعمل فيها قبل تشكيل الحكومة ملمّحاً إلى احتمال استقالته. والكلّ يعرف، من داخل الحكومة وخارجها، أن بعض الوزراء تجرّأوا في بعض الأحيان وقرروا مصارحة مرجعياتهم، أو رئيس الحكومة حسان دياب، بأنهم لن يبقوا في الحكومة إذا لم تتحرك الأمور.هذه حصيلة تكرّرت خلال شهرين على الأقل. وهناك وزراء آخرون قالوا ذلك أمام أصدقاء لهم. وبعضهم أسهب في الحديث عن المشكلات، فتحدّثوا عن الصراعات القوية بين فريقَي الرئيس نبيه بري والنائب جبران باسيل. وبعضهم أشار إلى أن الرئيس ميشال عون لا يحسم الأمور كفاية، ما يربك الرئيس دياب. وقليلون قلبوا شفاههم، في معرض الاستسلام، بأن لا حول ولا قوة. وهؤلاء، على وجه الخصوص، يسألون: لماذا لا يبادر حزب الله إلى الضغط على حليفَيه بري وباسيل لمنع الحكومة من الانهيار؟
التحديات التي واجهت الحكومة كثيرة. ومن الطبيعي، أن تكون عرضة لهجوم من قبل خصومها الذين يملكون نفوذاً كبيراً، ليس داخل مجلس النواب أو في الشارع حصراً، بل الأهم أيضاً داخل الإدارة نفسها، ولدى المرجعيات الاقتصادية والدينية، وحتى داخل مؤسسات عسكرية وأمنية. وهؤلاء الخصوم عاشوا أسابيع قليلة جداً من القلق خشية أن تُقدم الحكومة على إجراءات تعرّض مكتسباتهم لخطر. لكنهم، اليوم، لا يشعرون بالقلق، بل يعدّون الساعات التي تسبق سقوط الحكومة. وبعضهم واثق من عودته إلى السلطة فوراً، وأن الناس سيعيدون منحهم الثقة لإدارة البلاد، وخصوصاً أن القوى النافذة المعارضة لحكومة دياب لم تعد تظهر خشية من الشارع. بل هي تزايد عليه في حديثه عن الإصلاحات الضرورية. وهذه القوى لديها منابرها الإعلامية القوية التي تتصرف اليوم بوقاحة قلّ نظيرها، معتبرة أن مأساة لبنان سببها حسان دياب وحكومته. وما يزيد الضغط هو انتقال العواصم العربية والدولية من مرحلة التعامل الدبلوماسي الهادئ مع الحكومة، إلى العمل على محاصرتها وضربها علناً، ومن دون رحمة، بحجة أنها لا تلبي طلبات «المجتمع الدولي»، من الموقف حيال المقاومة، إلى «الإصلاحات» التي يقود بعضها إلى إفلاس الدولة نهائياً.
لكن، تعالوا نناقش الحكومة في أمور تقول الحكومة إنها لا تقدر على القيام بها:
ما الذي يعتقد حساب دياب أنه سيحصل إذا قرر مجلس الوزراء إعفاء رياض سلامة من مهامه، (وليذهب ويتقدم بشكوى إلى المراجع القضائية المعنية)، وإقالة كل رؤساء المؤسسات التابعة لمصرف لبنان من دون استثناء، وإعفاء جميع أعضاء مجالس الإدارات والمدراء التنفيذيين الذين يعملون تحت سلطة سلامة منذ توليه مهامه و«حجرهم جنائياً»، مع معظم من تولوا الإدارات العامة خلال ربع قرن؟ ما الذي سيحصل؟ هل يتوقع اندلاع تظاهرات في الشارع تطالب بإعادة هؤلاء إلى السلطة؟ ومن يمنع حسان دياب أن يخرج على اللبنانيين، ويروي لهم قصته مع رياض سلامة؟ هل يخشى، مثلاً، ارتفاعاً مفاجئاً في سعر صرف الدولار؟
ما الذي يمنع الحكومة، اليوم، من اتخاذ قرارات سريعة تعيد النظر في أبواب الموازنة العامة؟ أي احتجاجات أو مواجهات ستقوم إن تمّ دمج المجالس والصناديق بالوزارات المعنية؟ وأي قرار سيصدر من مجلس الأمن الدولي إن تمّ حل برنامج الـ undp، ووقف عملية السرقة الموصوفة الهادفة إلى تنفيع أزلام ومحاسيب المرجعيات على حساب الناس؟ ما الذي يمنع الحكومة من الطلب علناً إلى الجهات الأمنية والنيابات العامة المالية ملاحقة الفاسدين والسارقين المستمرين في عملهم اليوم في كل ما يتعلق برزق الناس؟ أي ثورة ستقوم في لبنان إن تم إلغاء كل أنواع الوكالات الحصرية، وأُجبر كبار التجار على التزام تسعيرة تضعها وزارة الاقتصاد متى عمل موظفوها بجدّ؟ هل يتوقع رئيس الحكومة انقلاباً عسكرياً إن تمت إعادة النظر في تركيبة الأسلاك العسكرية والأمنية، وتم التدقيق في نفقات كبار الضباط، ووضع آلية لمراقبة موازناتها الموازية بما في ذلك النفقات السرية؟
أي عقوبات تخشونها بعد، من أميركا أو أوروبا أو الخليج العربي، إن قررتم طلب مساعدة دولة مثل الصين في إعادة بناء وإدارة قطاعات الزراعة والصناعات التحويلية والخفيفة والطاقة والاتصالات والمياه والنقل والمرافق البحرية والجوية؟ هل تصدقون أن مطارات نيويورك أو لندن أو باريس أكثر تطوراً من مطار شنغهاي؟ أو أن نظام الاتصالات في كوريا الجنوبية أفضل من المعمول به في الصين؟ ألا تعرفون أن كل تكنولوجيا المعلومات يجري طلب مواردها ومنتجاتها من الصين اليوم؟ أم هناك من يقول لكم إن التقنين شغّال في المدن الصينية وإن ملياراً ونصف مليار شخص لا يشربون ولا يغسلون أيديهم ووجوههم كل يوم، أو أن النفايات تتكدّس في شوارع بكين؟
ما الذي يخشاه حسان دياب وفريقه؟ وإذا كان في فريقه الحكومي من هو مهتم بمحاباة الغرب، فليرحل وليتركنا لوحدنا من دون خضوعه بأشكال مختلفة لمنظومة أخلاقية وثقافية خلاصتها الدونية الكاملة. هلا يفسر لنا أحد، كيف أن الحكومة اللبنانية لم ترسل حتى الآن وزيراً واحداً إلى الصين لسؤال المسؤولين فيها عن آليات التعاون الممكنة، طالما أن فرنسا لا تتجرأ على القيام بخطوة تعارضها أميركا، ويأتي سمسار عمليات بيع الأسلحة برتبة وزير خارجية وينظّر علينا في الإصلاحات... أم أن حسان دياب ينتظر تحولاً في موقف «الدبّ الداشر» القابض على أرواح أبناء عائلته وبقية شعبه، فهذا الذي لا يهتم لموت ملايين اليمنيين هل سيهتم أصلاً لترف اللبنانيين؟ ألا تسمعون عن التراجع في بلاد الخليج وعن انطلاق مشروع الاستغناء عن خدمات مئات الآلاف من الموظفين الأجانب أو أصحاب الرواتب العالية، واللبنانيون من هؤلاء؟
ترى، كيف لحسان دياب ووزرائه أن يجيبوا على سؤال بسيط يتعلق بإجراءات السلامة العامة في مواجهة كورونا، وإذا كانت الأجهزة القضائية أو الأمنية الخاضعة لسلطة الحكومة لا تقوم بواجبها تماماً، ما الذي يمنع هذه الحكومة من إقالة القيادات الحالية واستبدالها بآخرين...؟ هل ينتظرون الفرج من عند الله؟ كيف لهذه الحكومة أن تترك مجموعة من المرابين، يتقدمهم سليم صفير، يتحكمون بآليات العمل في السياسات المالية والنقدية؟ كيف لهذه الحكومة أن تترك هذه المؤسسات تستخدم كل شيء لإطفاء خسائرها على حساب المودعين، وأن تقوم بعمليات قصّ الشعر على ودائع الناس من دون أن يرفّ لها جفن؟ كيف لهذه الحكومة أن تسمح بإبعاد من فكّر لمرة واحدة بوضع خطة مالية تتناسب – برغم كل ما فيها من مشكلات – مع متطلبات الحل؟ هل يعرف حسان دياب أن الناس وصل بهم الأمر إلى حدّ أنهم يثقون بمؤسسة مثل صندوق النقد الدولي ولا يثقون بمؤسساتهم الوطنية؟
من يمنع حسان دياب أن يروي قصته مع رياض سلامة؟ هل يخشى، مثلاً، ارتفاعاً مفاجئاً في سعر صرف الدولار؟


ترى، ما الذي يمنع حسان دياب من طلب تطبيق القوانين الخاصة بالمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الإعلامية على اختلافها ومن دون أي استثناء، وطلب التدقيق في كل حساباتها ونفقاتها ومداخيلها وأنشطتها وعلاقاتها، أم أنه يخشى غضب سفارات شمال أوروبا أو جورج سوروس؟ أليس بمقدوره اليوم إعادة تشكيل المجلس الوطني للإعلام والطلب إلى الأمن العام استدعاء كل جمعية أو منظمة غير حكومية ووضعها تحت الرقابة القانونية كما هي الحال في كل العالم الحر والمتقدم؟ يا أخي، نفّذوا القوانين الأميركية والبريطانية الخاصة بهذه الجمعيات وهذا يكفي، أو راجعوا تجربة فلاديمير بوتين في «معالجة هذا الوباء» ثم قوموا بشيء، أي شيء؟
ما الذي يمنع حسان دياب، شخصياً، أن يطل على الناس مرة ومرتين في الأسبوع ليشهّر بالمعرقلين، أياً كانوا؟ هل يعتقد أنه في حال كان واضحاً وصادقاً مع الناس سيكون من السهل على المجرمين طرده من السراي؟
حان الوقت، ليدرك من بيده الأمر أن اللبنانيين تعبوا إلى حد أنهم غير مكترثين إن بقيت هذه الحكومة أو سقطت... وهل هناك غير الفراغ سائدٌ في لبنان اليوم؟