ليل أوّل من أمس، تبلّغ الموظفون والعاملون في الجامعة الأميركية في بيروت، عبر البريد الإلكتروني، بضرورة الحضور إلى عملهم باكراً. لم تحمل تلك الرسالة أية تفاصيل تُذكر، باستثناء التشديد على الحضور، ولكن فهم «أهل» الجامعة ما الذي ينتظرهم صباح اليوم التالي. فهم، أصلاً، يترقبون وصول تلك الرسالة منذ ما يقرب شهراً ونصف شهر. تحديداً، منذ اللحظة التي أعلن فيها رئيس الجامعة، فضلو خوري، عن «أسوأ الأزمات» التي تعانيها المؤسسة. وما زادهم يقيناً بأن ما كان ينتظرهم هو إبلاغهم بقرارات صرفهم، البريد المتأخر والذي أعلن فيه مدير المركز الطبي في الجامعة، جوزف عتيق، عن «استقالة» ستة مدراء من مناصبهم، مرحباً في الوقت نفسه بالمدراء الجدد الذين جرى تعيينهم في المراكز الشاغرة.صباح أمس، حضر الموظفون إلى مكاتبهم، فكانت في استقبالهم... كتيبة عسكرية استدعتها إدارة الجامعة لمواجهة أي سيناريو قد يقبل عليه المصروفون! هذا ما ارتآه خوري في مواجهة تداعيات مجزرة الصرف التي نفّذها أمس بحق 650 موظفاً وعاملاً في الجامعة الأميركية. استدعى العسكر في مواجهة موظّفين عزّل، منتهجاً خطاً كان حتى وقتٍ غير بعيد «يثور» ضده في الساحات. تماماً، كما تفعل السلطة السياسية في مواجهة مواطنيها، فعل خوري مع «أهل» الجامعة، فكان «عهده» أول عهدٍ «سيذكر في ما بعد التاريخ أنه واجه أهله مدجّجاً بالعسكر». هذا ما يقوله الناس هناك.
هكذا، استحال محيط الجامعة، أمس، ساحة حرب. عسكريون في حالة تأهب. آليات عسكرية تسدّ المداخل، فيما الموظفون يدخلون مكاتبهم بلا حولٍ ولا قوة ينتظرون مغلّفات ستُرسل من «فوق». مع ذلك، لم يكن ثمة حاجة إلى التبليغ الرسمي، فقد علم المصروفون بأمر صرفهم من «أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم التي فُصلت عن شبكة الإنترنت». فكل من كانت أجهزتهم مفصولة عن الشبكة علموا أنهم ضحايا، على ما قال أحد الذين صُرفوا، ثم مع ساعات الظهر صارت هذه الإشارة أمراً واقعاً. وبحلول الثالثة عصراً، كان الكل قد تبلّغ. كان المشهد «مأساوياً»، على ما يروي جورج الجردي، رئيس نقابة العمال والمستخدمين في الجامعة. بكاء وعناق. كان هذا أقصى ما فعله المصروفون. لم يحطّموا ولم يشتموا، بل «ظلّوا أوفياء للمكان الذي بذلوا فيه جلّ أعمارهم»، على ما يقول الجردي. أما خوري، فقد ارتأى أن يترجم عبارة أسوأ الأزمات التي تمر بها الجامعة بصرف المئات من أهلها. لم يأبه لما يمكن أن يكون مصير هؤلاء في عزّ الأزمة المالية التي تضرب البلاد. فكل ما كان «يهمه في تلك اللحظة التغطية على سوء إدارته للجامعة». هذا ما يجمع عليه الكثير من العاملين هناك. أكثر من ذلك يقول هؤلاء بأنه «إذا كان خوري يعتبر أن الحكومة الحالية هي أسوأ حكومة مرّت في تاريخ لبنان، فإدارة خوري هي أسوأ إدارة مرّت على الجامعة». إدارة تجلى عنفها أمس مع المصروفين الذين رُحّلوا من مكاتبهم «بأغراضهم الشخصية أمس، يعني كيف بنحضر بالأفلام الأميركية كيف بضبوا كلاكيشهن بعلبة صغيرة، هيك صار مبارح».
أنهت إدارة خوري خدمات رؤساء الأقسام الذين كانوا قد وضعوا أسماء مصروفي الأمس


لأجل ما حصل في الجامعة، أعلنت نقابة العاملين والموظفين في الجامعة يوم أمس «اليوم الأسوأ في تاريخنا النقابي». ويأتي هذا الإعلان إثر المواجهة ما بين الموظفين والإدارة في وزارة العمل. فطوال شهرين من عمر الأزمة، لم تكن العلاقة سوية بين الإدارة والنقابة، إذ لم تستطع هذه الأخيرة أن تحصّل حلولاً «حبية» من الإدارة التي كانت تعمل لصرف الموظفين بأقل حقوق تُذكر. في المرحلة الأولى، حاولت الإدارة تمرير قرارها تحت بند الصرف القهري. كان في بال خوري ألا يهدر مالاً على التعويضات، في الوقت الذي كان قد هدر فيه أموالاً طائلة بملايين الدولارات على «software» فاشل. مع ذلك، لم يستطع فرض هذا الأمر، فكانت المواجهة ما بين الطرفين التي وصلت إلى «التحكيم» وصدر إثرها القرار المسنود إلى المادة 50 من قانون العمل. وقد قضت بنود ذلك القرار بالتعويض على المصروفين من 5 أشهرٍ إلى حدود 24 شهراً، بحسب سنوات الخدمة. ومن جملة الخدمات التي استطاع تحصيلها هؤلاء من إدارة خوري «إبقاء التأمين الصحي الـhip لمن فاقت خدمته في الجامعة الخمسة عشر عاماً، والسماح لمن تخطّى الـ59 من العمر بأن يكمل أولاده تعليمهم...». ومما استطاعت أيضاً فرضه النقابة أن يكون هذا القرار «يُنفذ لآخر مرة بحق الموظفين». ولكنه، يبقى وعداً، ذلك أن إدارة خوري «لا يمكن التعويل عليها، وخصوصاً أنها حاولت التملص من الامتيازات سابقاً بعدما أعلنت عنها».
أما بالنسبة إلى لائحة المصروفين، فقد كان 80% منهم من موظفي المستشفى، وهم موظفون ثابتون «ويحملون بطاقة الجامعة الأميركية»، على ما تشير النقابة. هؤلاء هم أنفسهم من «أوصى» بهم رؤساء الأقسام الإدارية... الذين أُبلغوا أول من أمس بإنهاء خدماتهم. هكذا، ضربت إدارة الجامعة «عصفورين بحجرٍ واحد»! صرفت 650 من أهلها وصرفت عنها المسؤولية بإعلان إنهاء خدمات المدراء السابقين، الذين كانوا، للمصادفة، في جلّهم من فريق «عميد كلية الطب السابق محمد الصايغ»، والذي كان قد أطاح به خوري سابقاً.