في آب الماضي، بدأ العمل في مشروع المرأب الذي تقيمه بلدية بيروت تحت حديقة المفتي حسن خالد في عائشة بكار. يومها، «قامت الدنيا ولم تقعد» في المنطقة التي تشكّل الحديقة رمزاً فيها. وقف محتجّون أمام الجرافات التي أتت لتأخذ بدربها جزءاً من ذاكرتهم، إلا أنهم لم ينجحوا. في العشرين من آب، بدأ الجرف داخل الحديقة. نُزعت الأشجار المعمّرة واحدة واحدة، وبدأت عمليات الحفر في الحديقة التي أُعلن أن الأشغال فيها يُفترض أن تنتهي بعد عامين من بدئها. لكن، على جري عادة المشاريع في العاصمة، توقف العمل بعد وقت قصير من انطلاقه. صحيح أنه كان لانتفاضة 17 تشرين ولفيروس كورونا دور في هذا التوقف، إلا أنه يبقى دوراً هامشياً. إذ إن عمليات الحفر ــــ التي لا تزال في بداياتها ــــ توقفت لأسباب أخرى، وقبل إعلان حال التعبئة العامة في البلاد.يشكو مشروع المرأب في حديقة المفتي من «عوارض» أخرى. بحسب المهندسين المشرفين عليه من مجلس الإنماء والإعمار، ثمة عوامل أخرى أدت إلى التأخير؛ أهمها ثلاثة: «أولاً مسألة إظهار الحدود، وثانياً إشراك المديرية العامة للآثار في عمليات الحفر لاحتمال وجود آثار، وثالثاً إعادة ترتيب العقد المنفذ بالدولار وفق السعر الرسمي مع الشركة التي لُزّمت المشروع».
قبل الـ«كورونا»، أقفل المشروع أبوابه قبل أن تنهي ورشة الحفر الطبقة الأولى. أسباب التوقف، بحسب الشركة الملزمة، هي «احتمال» وجود آثار. صحيح أنه «لا آثار حتى اليوم»، بحسب المدير العام للشركة عماد الخطيب، إلا أنه «كان لازم يكون معنا بالحفر خبراء من المديرية العامة للآثار». هذه الـ«يجب»، كانت كلفتها مع بداية المفاوضات مع المديرية العامة للآثار «650 ألف دولار لتغطية نفقات 20 مهندساً خبيراً وبدل البقاء مدة 16 شهراً لإتمام عمليات الحفر»، هذا ما تقوله مصادر مجلس الإنماء والإعمار المشرف على المشروع. وهي كلفة من خارج الكلفة الأساسية، «وقد تم التوصل إلى اتفاق يقضي بخفضها إلى 200 ألف دولار وتقليص المدة إلى 6 أشهر». وهذا المبلغ سيُدفع سواء وُجدت آثار أو لم توجد، علماً بأن الاحتمال الثاني هو الأكثر ترجيحاً بالنسبة إلى بعض أعضاء مجلس بلدية بيروت. إذ إن الحديقة «سبق أن أقيمت على أنقاض البيوت وتقع في قلب السور... يعني شو جاب الآثار لهون؟»! ولئن كان «الله أعلم» حول ما تخبئه تلك الأرض، فإن هذه ليست الكلفة الوحيدة التي تأتي من خارج الحسابات. اليوم، مع الأزمة المالية، «أضربت» الشركة المنفذة أيضاً عن العمل، وهو سبب آخر للتأخير، بسبب عدم استقرار سعر صرف الدولار. فالعقد المبرم مع شركة «هايكون» بالدولار الأميركي، وهو ما «يتسبب بمشكلة، وخصوصاً أن ما يدفع لنا هو على أساس السعر الرسمي 1507، فيما سعر الصرف في السوق لامس الـ 5 آلاف ليرة»، يقول الخطيب. ولهذا، عقد قبل يومين اجتماع لمناقشة أمور عدة، من بينها توضيح العقد في ما يتعلق بالتسعير واستكمال المشروع.
عشرة أشهر مرّت من العامين من دون أيّ تقدّم


إلى الآن، ليس واضحاً على أي «سعر صرف» رسا الاتفاق الجديد، مع ذلك، تشير المصادر إلى أن مطلع الشهر المقبل قد يكون موعد عودة العمل، لكن يبقى ذلك رهناً بجواب مجلس الإدارة في الإنماء والإعمار. أضف إلى ذلك، بحسب المصادر نفسها، إن استكمال العمل في الحديقة دونه نواقص بسبب تقسيم مراحل صرف الأموال، حيث «سيكون هناك تأخير في بعض المبالغ، ولذلك ستؤجل بعض الأمور من دون أن تؤثر على سير العمل».
عشرة أشهر على بدء الورشة، طارت خلالها أشجار حديقة المفتي، فيما الذي نُفّذ حتى الآن لم يكن أكثر من تحويل الحديقة إلى «ملعب فوتبول»، على ما يقول سكان المنطقة. وهو ما يدفع إلى التكهّن بوقت طويل قبل أن تعود الحديقة «أجمل مما كانت»، وهو الشعار الذي أطلقته بلدية بيروت على المشروع.