ما هي الخطوة التالية بعد إنقاذ الحكومة؟ هو السؤال الذي يُطرح اليوم بعدما تمكن حزب الله من إعادة لمّ الشمل الحكومي، إذ كيف يمكن أن تستأنف الحكومة أعمالها من حيث توقفت، فيما تركيبة البلد الاجتماعية والاقتصادية والمالية تنهار في شكل درامتيكي. ومن أين ستبدأ معالجة آلاف المشكلات التي غطتها أزمة كورونا وانكشفت حالياً بكل آثارها السلبية، طالما أنها تصرّفت وكأنها نسخة مقلّدة عن الحكومات السابقة. والسؤال الأكثر تداولاً أمس بين الوسط السياسي هل يحتمل لبنان هزة ثانية بعد هزة السبت الفائت؟صحيح أن أكثر من طرف حاول انتزاع الانتصار في ملف التعيينات. لكن ما جرى هو أن الحزب خرج منتصراً من هذه المعركة، بعدما سحب فتيل النكد السياسي من الرئيس نبيه بري والتيار الوطني الحر وطلال ارسلان ومن هم خارج الحكومة، حتى إن اعتراض تيار المردة جاء شكلياً وإعلامياً أكثر منه عملياً. ومع انتهاء التعيينات، مهما كان شكلها ومن يتبجح بانتصاراته على حلفائه في حكومة اللون الواحد وليس على خصومه، يتخلص الحزب من عبء الابتزاز السياسي، مرحلياً، لمواكبة الاستحقاقات الإقليمية الكثيرة على طاولته. لكن هذا الانتصار لا يكفي الحزب أو شركاءه في الحكومة لوضع لبنان على سكة الإنقاذ، لا بل قد يشكل ذريعة أكبر للبعض في الداخل والخارج للدفع أكثر نحو المواجهة. علماً بأن معايير الحزب مختلفة عن معايير حلفائه في النظرة إلى ما هو مقبل على لبنان. فهؤلاء يحاولون، كلّ على طريقته تحصين حصصهم في الإدارة وفي المالية والقضاء وفي كل شرايين الدولة، رغم مشارفتها على الإفلاس، خشية لحظة مصيرية قد ترتد عليهم. الرئيس نبيه بري يحاول ضبط صراع الأجنحة في محيطه، وكذلك يفعل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي يسعى منذ سنوات إلى إمساك المفاتيح المسيحية، متمثلاً بما يفعله الحريري مع التابعين له من موظفين في مجلس الوزراء والمؤسسات والإدارة العامة، من دون الأخذ في الاعتبار أن لحظة سقوط الدولة ستهدم الخيمة فوق رأس الجميع من دون استثناء.
ما جرى لا يعفي أن القوى المشاركة في الحكومة ستجد نفسها بعد مدّ الحكومة بالأوكسجين، أمام ضرورة العمل على خريطة الطريق لإنقاذ اللبنانيين، مع الارتفاع الجنوني لسعر الدولار، والانهيار الاجتماعي والأمني تلقائياً، مترافقاً مع الضغط الأميركي المتضاعف الذي لن يتوقف في الأمد المنظور، طالما أنه يعطي من منظار واشنطن النتائج المرجوّة. فما قيل منذ 17 تشرين الأول، في الشارع، تضاعف أولاً بسببب أداء الحكومة السلبي، وقد تعطي المحاصصة الفاقعة متزامنة مع انهيار سعر الليرة أسباباً مشابهة لإجراءات الضرائب التي سبقت تظاهرات تشرين الأول. كما تضاعف حجم الاحتقان الشعبي، بفعل سوء إدارة القطاع المصرفي، وما أفرزته أحداث السبت الأخير من احتقان. لكن بدل الذهاب الى معالجات طارئة على مستوى الفتنة أو التدهور المالي، اختارت القوى السياسية أهون الشرور بلجوئها الى التعيينات ومنها ما تعتبره وسيلة إقناع المجتمع الدولي بحسن سيرتها، خلال مفاوضاتها مع صندوق النقد. مع علمها بأن الصندوق ومَن وراءه على اطلاع كامل على حيثيات ما جرى من نقاشات وتعيينات والمستفيدين منها.
ولجوء القوى السياسية بمكابرة مطلقة الى تكرار سيناريو سبق أن جُرب وأدى الى النتيجة نفسها في تشرين الأول، قد يكون هذه المرة قاتلاً أكثر بسبب انخفاض قيمة الليرة. فهل حصل المسيحيون على حقوقهم وأقساط مدارسهم وثمن الدخول الى المستشفيات الخاصة، بمجرد تعيين موالين للتيار الوطني أو محافظة لكسروان ــ جبيل خلافاً للقانون؟ وهل حصلوا أيضاً على أموالهم في المصارف بالقانون بمجرد أن مارس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حقه بعدم توقيع مرسوم التشكيلات القضائية؟ وهل تأمّنت معيشة المئات من أبناء طرابلس والبقاع وبيروت بعدما نجح رئيس الحكومة في إثبات حقه في تعيين النائب السني لحاكم مصرف لبنان؟ وهل استفاد جمهور الثنائية الشيعية من إعطاء بري ما يريده بالكامل من دون نقصان؟ ولأن كل ما أخرجته الحكومة منفصل عن الواقع الحقيقي للناس فإن الخطوة التالية ستكون المعيار الأولي لكيفية إدارة الأزمة المالية والاقتصادية خارج إطار مجلس الوزراء. فإذا كان شعار سلاح المقاومة أزيل من الواجهة، فداخلياً، تتوجه الأنظار الى بيروت وهل ستكون عودة التظاهرات المعيشية اليها وجبل لبنان، مسموحة بالمطلق على غرار ما جرى في تشرين الأول، أم ستكون حدودها بعض المناطق التي لا تشكل حساسيات ولا تحمل مفاجآت من نوع مواجهة السبت الطائفية؟ وهذا يضع القوى السياسية المعارضة للحكومة، وقد سبق أن شاركت بقوة في التظاهرات السابقة، حقيقة مواقفها المعارضة، ما يؤشر سلباً أم إيجاباً الى نتائج التسوية التي أُبرمت يوم السبت. لكن الخطورة هي في أن هناك من لا يريد الاعتراف بأن لبنان عاد بعد ثمانية أشهر الى منزلق خطر، لن تكون الحكومة قادرة على تفاديه.