هل تعثرت أو تأخرت عملية التدقيق في حسابات مصرف لبنان؟ السؤال مردّه الى أن رئيس الحكومة حسان دياب سأل وزير المال غازي وزني أكثر من مرة خلال الأسابيع الماضية عن سبب عدم مباشرة عمل الشركة العالمية التي اتفق معها على عمليات التدقيق بكل ملفات مصرف لبنان. وهو القرار الذي اتخذته الحكومة قبل أكثر من شهر. كان جواب وزني أن هناك إجراءات قانونية ينجزها قبل المباشرة. ومع ذلك لم تباشر الشركة عملها.خلال الأيام القليلة الماضية، عاد الملف الى الواجهة، بعدما قدمت وزارة العدل رأيها في العقد المفترض توقيعه مع الشركة (KROLL). لكن ما يجري التداول به نقلاً عن مصادر قريبة من وزير المالية ومن رئيس مجلس النواب نبيه بري، أن التأخير سببه عملية تدقيق في طبيعة الشركة المفترض بها القيام بالتدقيق. وتقول هذه المصادر إن هناك مشكلة رئيسية كون هذه الشركة تعمل بإشراف فريق يقرّ علناً بتعاونه مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. وحسب المصادر، فإن وزني سيقدّم قريباً الى الحكومة طلباً بالتعاقد مع شركة أخرى، على أن يشرح فيه المعطيات التي دفعته إلى رفض التوقيع، وفيها تقارير أعدّها جهازان أمنيّان لبنانيان حول الشركات، حيث جرى التحذير من خطورة التعاقد مع شركات إسرائيلية أو لها صلات بأجهزة إسرائيلية، ما يتيح للأخيرة الحصول على كمية هائلة من البيانات.
في المقلب الآخر، يبدو أن موقف رئيس الحكومة كما موقف رئيس الجمهورية ميشال عون لا يقف عند فكرة وجود تعاون بين شركات عالمية ومؤسسات إسرائيلية. وذلك من زاوية أن أي شركة عالمية متخصصة سيتم العثور على علاقات عمل بينها وبين إسرائيل، أو بينها وبين إسرائيليين. وإن هذه الشركة تتميز بقدرتها ليس على التدقيق في الأرقام وحسب، بل أيضاً في القدرة على الوصول الى ملفات ربما يتم حجبها في لبنان وخارجه. وهي تقدر على ملاحقة كل الحسابات المتحركة داخل لبنان وخارجه، بما في ذلك ملكية الأصول ووضعها. ويفهم من المصادر القريبة من عون ودياب أن عمل هذه الشركة سيتيح التعرف على الواقع الفعلي لمصرف لبنان والمؤسسات التابعة له، وستكون الحكومة أمام فرصة جدية لمساءلة المسؤولين عن المصرف عن أي أخطاء أو ارتكابات، كما يساعد الحكومة على معرفة موجودات مصرف لبنان النقدية والعينية في لبنان وخارجه.
مصادر عون ودياب: عمل الشركة سيكشف واقع مصرف لبنان والمؤسسات التابعة له


وفي هذا السياق، تشير مصادر الى أن موقف وزير المال يخفي رغبة قسم من الطبقة النافذة سياسياً واقتصادياً ومالياً بعدم إجراء أي عملية تدقيق تقود الى معرفة تفاصيل تدخلهم وعملياتهم غير القانونية، ومعرفة تفاصيل الصناديق السوداء التي كان أركان الحكم يستخدمونها لأغراض خاصة بقواهم السياسية أو جماعتهم المقربين. وتشير المصادر الى أن التدقيق سيشمل عملياً ليس مصرف لبنان وحده، بل المؤسسات التابعة له من شركة إنترا الى بنك التمويل الى كازينو لبنان الى شركة الميدل إيست. وإن هذه المؤسسات كانت ولا تزال تخضع لإدارات تم اختيارها من قبل النافذين في الدولة وتعمل باتفاقات وتأثير الطبقة المهيمنة اقتصادياً ومالياً.
ومع أن النقاش لم يلامس علناً هذه العناوين، إلا أنه يحصل في ظل عودة البحث عن قيادة مصرف لبنان والمؤسسات التابعة له، إذ أظهرت نتائج الاتصالات السياسية الأخيرة أن التعيينات في مناصب نواب الحاكم ولجنة الرقابة على المصارف والأسواق المالية لن تشهد تعديلاً على آلية اختيار المرشحين، إذ سيعمد رئيس الحكومة الى اختيار المرشحين السنّة، بينما يختار الرئيس نبيه بري المرشحين الشيعة، فيما يترك للرئيس عون اختيار المرشحين المسيحيين، على أن ينال النائب طلال أرسلان حصة من المرشحين الدروز على حساب النائب السابق وليد جنبلاط. مع الإشارة الى أن بعض التغييرات في الأسماء لن تحلّ مشكلة المحاصصة التي ستصيب الحكومة بأكملها.