كانت كلّ الأمور المتعلقة بتمديد ولاية مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعّار تسير، حتى مساء يوم الجمعة، بشكل طبيعي. فقرار التمديد كان جرى إعداده وأنجز، ولم يكن ينتظر إلا أن يعلنه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، قبل أن تطرأ تطورات في الساعات التي سبقت انتهاء ولاية الشعّار الممدّدة منتصف ليل أمس، وجعلته يزور دريان، أول من يوم أمس، ليعلن اعتذاره عن عدم الاستمرار في مهامه.مطّلعون على مجريات الأحداث أوضحوا لـ«الأخبار» أنّ الرئيس سعد الحريري، وهو الداعم الرئيسي لتمديد ولاية الشعّار، أبلغه أنّه محرج في قرار التمديد، وأنّه لا يستطيع السير به بسبب ضغوط كثيرة يواجهها. هذه الضغوط ردّتها مصادر سياسية متابعة إلى عدّة عوامل، أوّلها اتساع رقعة المعارضة السياسية والدينية والشعبية لقرار التمديد، أكثر ممّا كانت عليه في التمديدين السابقين، في أيلول 2018 وكانون الأول 2019؛ فإلى جانب معارضة الرئيس نجيب ميقاتي والنائب فيصل كرامي والوزير السابق أشرف ريفي، استشعر الحريري أن التمديد للشعّار سيجعله يخسر أكثرية في الشارع الطرابلسي والشمالي، مقابل ربح محدود. أضافت المصادر أنّ الحريري وجد أنّ «جماعته» في طرابلس غير متحمّسين للتمديد، وأنّ أحداً من نوّابه الحاليين والسابقين، محمد كبارة وسمير الجسر ومصطفى علوش أو منسقية التيار الأزرق في طرابلس، لم يتحرك دعماً للشعّار، باستثناء النائب ديما جمالي التي غرّدت تأييداً له، ثم لم تلبث أن حذفت التغريدة. كذلك واجه التمديد للشعّار معارضة شديدة في أوساط «مجموعة الـ20، فلم يكن بينهم سوى الرئيس فؤاد السنيورة متحمّساً له.
في موازاة ذلك، تراجعت حماسة رئيس الحكومة حسّان دياب لقرار التمديد بعدما لمس حجم الاعتراض عليه، فاختار الوقوف على الحياد. ولفتت مصادر سياسية إلى أنّ دياب أوفد وزير الداخلية محمد فهمي إلى المفتي دريان وأطلعه على موقفه.
إلّا أنّ حرج الحريري الأبرز، وفق المصادر، تمثل في دخول شقيقه بهاء على خط مزاحمته سياسياً وشعبياً، وأنّ الأخير لم يتردد في استغلال الاعتراض على قرار التمديد للشعّار للتصويب عليه، فاختار سعد الانكفاء. لكن ذلك لم يمنع مناصري بهاء في «المنتديات» من الاحتفال بما اعتبروه «أول انتصار» لهم في طرابلس.
يطوي الشعّار قرابة 12 عاماً من تاريخ الإفتاء في طرابلس، تاركاً خلفه منتقدين كثراً وحلفاء أقل، ومسلّماً مهام الإفتاء في عاصمة الشمال إلى أمين الفتوى الشيخ محمد إمام، الذي يتسلم هذه المسؤولية بالتكليف، للمرة الثانية. المرة الأولى زادت على ثلاث سنوات، بعد استقالة المفتي الراحل طه الصابونجي في 1 تشرين الأول 2005 إلى حين انتخاب الشعّار في 27 كانون الأول 2008.