يوماً بعد آخر، تكبر الأزمة المرافقة لسعر صرف الليرة مقابل الدولار. وكلما طال أمد الأزمة، برزت تداعيات جديدة يفرضها البنيان الاقتصادي المتّكل على الدولار في نواحيه كافّة. اليوم، لم تعد أزمة الدولار أزمة استيراد أو تحويلات مصرفية إلى الخارج فحسب، إذ تمدّدت تداعياتها لتطاول التعامل على الصعيد المحلي، من باب فرض «عمولات» إضافية على المستهلكين والتجار، الصغار منهم، الذين لجأوا إلى التعامل بالشيك المصرفي لعدم توفر السيولة بين أيديهم.منذ فترة، لم يعد الشيك المصرفي يساوي الكثير في حسابات من يملكه، وبات أشبه بورقة بلا قيمة، إذ لا يستطيع مالكه التصرف فيه، وخصوصاً في ظل تشديد الإجراءات المصرفية. لذلك، لجأ بعض من يملكون حسابات مصرفية عالقة إلى تأمين احتياجاتهم بالدفع عن طريق شيكات مصرفية. غير أن هذا الإجراء لم يستمر. فمنذ نحو أربعة أسابيع، ومع صعود الدولار، بدأ بعض التجار الكبار والشركات الكبرى بفرض عمولة على الدفع عن طريق الشيك المصرفي تتراوح ما بين 40% و50%. أحد المهندسين المعماريين يؤكد أن إحدى شركات مواد البناء التي كان يتعامل معها «بدأت تفرض علينا إما الدفع بالدولار أو ما يوازيه بالليرة بسعر صرف السوق أو دفع رسم إضافي بقيمة 40% على الشيك المصرفي». وعلى أساس هذه المعادلة، يستحيل الشيك المصرفي الذي تبلغ قيمته ألف دولار «1400 دولار أميركي في بعض المؤسسات، علماً أنه وصل في مؤسسات أخرى إلى حدود الـ 1500 دولار». وهي حيلة لجأت إليها شركات كبرى، وحتى متوسطة، والتي تعدّ المورد الأساسي للكثير من التجار والمستهلكين الذين يُجبرون على الدفع بهذه الطريقة، «كونها أهون الشرّين، أولاً لعدم توفر الدولار أو ما يوازيه بالليرة، وثانياً لأننا لا نريد أن نتوقف عن ممارسة عملنا»، يقول أحد العاملين في مجال الهندسة الكهربائية. ويوضح أن «العمولة المطلوبة تختلف وفق ما إذا كانت البضاعة المطلوبة محلية أو مستوردة، إذ أن المحلي غالباً ما نستطيع شراءه بعمولة تتراوح بين 30% و40%، فيما المستورد ندفع لقاءه حكماً أكثر من ذلك».
بالنسبة إلى أصحاب الشركات «لا خيار آخر»، على ما يقول أحدهم، مبرّراً اللجوء إلى هذا الإجراء بسببين، أولهما أن «المصارف لا تصرف الشيكات المصرفية دفعة واحدة، وإنما وفق نظام الدفعات الأسبوعية أو الشهرية بحسب كل مصرف، وعلى سعر صرف 3 آلاف ليرة». وثانيهما أن الشيك المصرفي «ورقة ميتة الآن لا نستطيع صرفها لدى الصرافين، وإذا أردنا سحبها دفعة واحدة من المصرف، فسنأخذها على سعر الصرف الرسمي، أي 1507 ليرات».
في المنطق القانوني، لا تبرير لما لجأ إليه البعض من التجار الكبار والشركات الذين لجأوا الى تحميل المستهلكين وزر الفارق بين سعر الصرفين. «لا شيء في القانون يلحظ هذا الأمر»، يقول المحامي بول مرقص. قانونياً وأخلاقياً «ثمة مخالفة». أما واقعاً، فالعقوبات الاقتصادية التي تعيشها البلاد «ستؤدي حكماً إلى هذه الممارسات» لأن هذه «الورقة» لم تعد تفي بغرضها، إذ «ماذا يمكن أن يفعل التاجر، المستورد تحديداً، بورقة لا يمكن لا صرفها أو تحويلها». وبحسب مرقص «الذنب ليس ذنب التجار، وإنما ذنب نظام بأكمله». لكن، في مقابل هذا التبرير لفئة تتعيّش على الدولار للاستيراد، ثمة فئة أخرى استغلّت هذا الأمر وباتت هذه الممارسة لديها أشبه بـ«فرض الخوات»، أي في غير مكانها. وكما في كل أزمة، تخلّف تلك الفئة الكثير من المتعيّشين على حساب المستهلكين الذين لم يعودوا يجدون في أيديهم سوى تلك الأوراق ليسدّوا بها احتياجاتهم. وهنا، يفترض أن يعاقب القانون المخالفين، لما في ممارستهم «من إساءة وتجاوز». لكن السؤال هنا: كيف يمكن فرز هؤلاء؟ ومن سيعاقبهم؟