قطع وزير المال غازي وزني أمس الشكّ باليقين، مؤكّداً أن وزارة المال ومن خلفها الحكومة، تسير في وصفة صندوق النقد الجاهزة، بتحرير كامل لسعر صرف الليرة أمام الدولار. ومع أن وزني في تصريحاته أمس لوكالة الصحافة الفرنسية، تحدّث عن مرحلة انتقالية عبر اعتماد سعر صرف مرن، وربط عملية تحرير سعر الصرف بالدعم المادي الدولي، إلّا أنه في نهاية المطاف تحدّث عن سيناريو التحرير الكامل، بما ينبئ بالمخاطر الكبيرة المقبلة على اللبنانيين وعملتهم الوطنية.فما بين ترك السعر ثابتاً وما بين تحريره وتركه سائباً كما توصل خطة وزني في نهاية المطاف، هناك حلول وسط عديدة، من بينها اعتماد السعر المرن دائماً، مع قيام مصرف لبنان بعمليات تدخّل محدودة، بدل أن تترك السوق للمحتكرين والمضاربات، في بلد فالت من الانتظام وتغيب فيه المحاسبة والمعايير الاجتماعية التي تراعي أي عدالة بين السكان.
وكلام وزني، في هذه اللحظة الحرجة بالذات، حيث تنعدم الواردات الداخلية لغياب الإنتاج الصناعي والزراعي والشحّ الكبير من التحويلات المالية في الخارج، يؤكّد أن لبنان فقد فرصة التقدّم بخطة خاصة به تراعي الاقتصاد الوطني وليس الهيكلية المالية فحسب. وبدل ذلك قرر المعنيون اختصار العمل باعتماد وصفة الاستعباد المالي المعدّة مسبقاً ليتم إسقاطها على الدول الفاشلة!
وهذا التفكير بتحرير سعر الصرف، عدا عن انعكاسه على أسعار السلع، فإنه يسبب مضاعفات خطيرة على العقود والقروض، المعقودة سابقاً، ولا سيّما أن هناك العديد من عقود الإيجار والاقتراض قد تمّت فعلاً بالدولار وستبقى سارية المفعول في المستقبل، فضلاً عن القروض التي استدانتها الأسر والأفراد والمؤسسات بالدولار الأميركي أيضاً، ما يعني تعثّراً كبيراً في تسديدها.
وإذا كانت أسعار المحروقات والدواء والقمح التي يتمّ شراؤها بالدولار، لا تزال منضبطة إلى حدٍ كبير بفعل اعتماد سعر الصرف الرسمي الحالي بمعدل 1507 ليرات للدولار الواحد، فما هي الضمانة مع تحرير سعر الصرف، أن لا ترتفع أسعار هذه السلع ارتفاعاً جنونياً بما يقضي على أي قدرة شرائية للبنانيين لتأمين السلع الأساسية؟
في لقاء المفاوضات الأولية بين لبنان وصندوق النقد قبل يومين، بدا وفد الصندوق واضحاً في طلبه تحرير سعر صرف الليرة، وهو ما أكده وزني في تصريحاته أمس، لتأتي تصريحاته كردّ إيجابي على ما جرى نقاشه في الاجتماع المغلق!
مصادر نيابية شاركت في نقاشات لجنة المال والموازنة، اعتبرت موقف وزني «متقدّماً» عن النقاشات القديمة، بشكلٍ سلبي طبعاً. فوزني، وأمام لجنة المال والموازنة، ردّ على سؤال، نافياً أن تكون الخطة قد تبنّت تحرير سعر الصرف. وأوحى لسائليه بأن الخطة استندت إلى الأرقام المتداولة في السوق لتقرّر خياراتها تجاه سعر الصرف، ولم تتبنّ عملياً تحرير سعر الصرف. وتقول المصادر إن «أحداً في الدولة لم يعد مؤمناً بقدرة الدولة على أداء الدور في ضبط سعر الصرف، لأن هذا استنزاف كامل وليس لديها القدرة لذلك، كما أن ترك السوق على حريته، هو سياسة غير حكيمة ومشاكلها كبيرة، ولا نستطيع تحرير السعر بما ينعكس بشكل خطير على السلع الرئيسية». مسألة أخرى تطرحها المصادر النيابية، وتقول إنه خلال النقاشات في المجلس النيابي بعد 17 تشرين، أكّد أكثر من خبير أن تقديرات صندوق النقد الدولي حول السعر الحقيقي لسعر صرف الليرة أمام الدولار هو 2800 ليرة. اليوم، وقبل القيام بأي خطوة، يتعدى سعر الصرف الـ 4000 ليرة، ما يعني أن هناك مبلغاً محسوباً بالارتفاع من سعر الصرف يسببه التسيّب وعمليات المضاربة والاحتكار، وليس بالضرورة بسبب الأوضاع الاقتصادية، وخصوصاً أن الحكومة والأجهزة القضائية لم تصل لغاية الآن إلى نتيجة ملموسة لضبط السوق. ويختم المصدر أن «البلد بحاجة إلى مرحلة انتقالية، لكن في مطلق الأحوال لا يمكن اعتماد تحرير سعر الصرف بشكل مطلق، ومن مهام مصرف لبنان التدخل بطريقة مسؤولة».
ومن وزني إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقضية التلاعب بالدولار، التي ستنام في الأدراج على ما يبدو، أو سيُقدّم مدير العمليات في المصرف المركزي مازن حمدان، كبش فداء فيها. وبحسب ما علمت «الأخبار»، فإن قرار المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم بعدم استدعاء سلامة إلى التحقيق في مفرزة الضاحية القضائية، لم يصدر لأسباب محض شخصية متصلة بالقاضي نفسه، ولا بسبب الغطاء الداخلي الذي يحظى به سلامة، وحسب، بل إن تدخلاً واضحاً قامت به السفيرة الأميركية في بيروت، دوروثي شيا، ساهم في حماية حاكم مصرف لبنان. وبحسب مصادر معنية، اتصلت شيا بمسؤولين حكوميين، وأبلغتهم بوضوح أن «أي انتقام سياسي من سلامة، بذريعة التحقيقات»، ستكون له تبعات كبيرة. وأتى موقف شيا بعد الإشارات التي قيل إنها أوحت بها سابقاً، لجهة استعداد بلادها للبحث في مواصفات المرشّحين لمنصب حاكم مصرف لبنان.
السفيرة الأميركية اتصلت بمسؤولين لبنانيين لتبلغهم بعواقب «الانتقام السياسي من سلامة»


وفيما كان سلامة يؤكّد أمام رئيس الحكومة حسان دياب رفضه التدخّل في السوق، جاء بيان هيئة التحقيق الخاصة بتبييض الأموال (التي يرأسها سلامة) أمس، ليؤكّد أن سلامة يتدخل فعلاً. في الآونة الأخيرة، قفز سعر الدولار من 2500 ليرة إلى أكثر من 4000 ليرة، فلماذا تدخّل بكمية قليلة من الدولارات (باع نحو 12.7 مليون دولار واشترى نحو 11.3 مليون دولار)؟ ولماذا لم يتدخل كما يجب؟ ولماذا تدخّل شارياً؟ والسؤال الأهم، هو هل كان وزني على علم بعمليات المصرف؟ وهل حصلت بالتوافق معه كما تقضي الفقرة «ب» من المادة 83 في قانون النقد والتسليف؟
اختبأ سلامة أمس خلف بيان تقني، ليخفّف من أهمية تدخّل المصرف على أساس أن مبالغ الشراء والبيع التي قام بها المصرف عبر الصرافين لا تتجاوز الـ 25 مليون دولار، وكأن هذا المبلغ الصغير نسبياً لن يؤثر على وضع السوق. لماذا إذاً اشترى المصرف الدولارات، وبأي هدف؟ فشراء مصرف لبنان، في هذه اللحظة الحرجة من الصرافين بغير السعر الرسمي، يعطي رسالة خطيرة لهم ويشجعهم على رفع الأسعار، فدور المصرف ليس تقنياً فحسب، بل معنوي بالدرجة الأولى!
وإذا كان بيان المصرف، أمس، قد اعترف بقيامه بعمليات البيع والشراء، فلماذا لا يزال حمدان موقوفاً إذاً؟