سرعة الانهيار التي يشهدها قطاع تأجير السيارات لا مثيل لها في أيٍّ من القطاعات الأخرى. عشرات الشركات تغلق تباعاً، وتُقفل معها سبل العيش أمام نحو 1500 عائلة. المعطيات كلّها تشير إلى أنّ السقوط «حرّ»، وما من مكابح قادرة على التخفيف من حدّة الارتطام، بعدما تضافرت عوامل عدة لتزيد من صعوبة أيّ محاولة إنقاذية، أبرزها رفض المصارف الالتزام بتعاميم مصرف لبنان وجدولة ديون الشركات المتعثّرة، لا بل إصرارها على أن تدفع الشركات القروض على أساس سعر الصرف غير الرسمي!في العادة، يبدأ في مثل هذه الفترة من العام النشاط الفعلي لشركات تأجير السيارات التي تعتمد بشكل أساسي على المغتربين والسيّاح. هذه السنة، أصبح هؤلاء ذكرى من الماضي في ظلّ تفشّي وباء «كورونا» وتأثيره على حركة السفر حول العالم. وأتى انهيار سعر صرف الليرة والارتفاع الجنوني في كلفة المعيشة ليقضي على أيّ أمل كان معلّقاً على الزبائن من المقيمين الذين تضاءلت قدرتهم على الصرف على الاحتياجات غير الأساسية.
نقيب أصحاب شركات تأجير السيارات السياحية الخصوصية، محمد دقدوق، يلفت إلى أن «نسبة التشغيل منذ 17 تشرين الأول الماضي وحتى الكشف عن أولى الإصابات بفيروس كورونا في لبنان بلغت بين 3% و4% فقط، وهي نسبة لا تكفي لتغطية تكاليف الكهرباء والتلفون. ومع تفشّي الفيروس وما رافقه من إجراءات وقائية تراجعت نسبة التشغيل إلى 0%، ولا تزال على هذه الحال». وطبيعي أن النتيجة الحتمية لواقع كهذا هي الإفلاس الجماعي للشركات التي «أغلق حوالى 60 من أصل 240 منها خلال الأشهر الماضية. وهو رقم مرجّح للتصاعد بشكل كبير». ونجم، كذلك، عن حالة الجمود التي يشهدها القطاع اضطرار الشركات إلى بيع السيارات التي تملكها، أو بعضها، في محاولة للحدّ من الخسائر. دقدوق أوضح أن «أسطول الشركات تناقص من نحو 19 ألف سيارة العام الماضي إلى 13 ألفاً، بعدما بيعت 6 آلاف سيارة «بتراب المصاري» عسى أن يمكّن ذلك أصحاب الشركات من الصمود»، مشيراً إلى «أننا وصلنا إلى مرحلة بتنا فيها نقبل تأجير السيارة بأيّ ثمن لنتمكّن من تأمين أيّ مدخول».
بعض أصحاب الشركات كانوا قد تأمّلوا خيراً من التعميم 547 الصادر عن مصرف لبنان والقاضي بأن تمنح المصارف «على مسؤوليتها» قروضاً استثنائية بالليرة أو بالدولار الأميركي بفائدة 0% لمدة 5 سنوات لعملائها المتعثّرين، على أن تُستخدم هذه القروض لدفع رواتب الموظفين والعاملين لدى العملاء أو لتغطية حاجات إنتاجية أو تشغيلية. إلّا أنه منذ صدور التعميم، لا يبدو أن أيّ مؤسّسة خاصة قد استفادت منه، خصوصاً لإشارته بوضوح إلى أن على المصارف أن تُقرض «على مسؤوليتها» مؤسّسات متعثّرة عن الدفع! ولا يبدو، على أية حال، أن التعميم يشغل بال المصارف أساساً، إذ «ترفض أيّ جدولة لديون الشركات المتعثّرة، وتطالبنا بالدفع في الأوقات المحدّدة ووفق سعر صرف لليرة تحدّده هي، كلّ على هواه، ويتراوح بين 1600 و1800 ليرة للدولار»، بحسب دقدوق الذي يشير إلى أن وزارة السياحة عرضت بعض الخيارات لناحية جدولة القروض وغيرها، «لكن من بإمكانه الحديث مع المصارف أو مواجهتها في لبنان؟».
ترفض المصارف جدولة ديون الشركات وتطالبها بالدفع وفق سعر صرف للدولار يتراوح بين 1600 و1800 ليرة


آخر «الضربات» التي تلقّاها القطاع اتّجاهُ شركات التأمين إلى تسعير البوالص على أساس 2600 ليرة أو 3000 آلاف ليرة للدولار. «ومع تفهمنا لمنطقها، واضطرارها لشراء قطع للسيارات في حال حصول حوادث، لكن كيف نؤمّن بهذا السعر ونحن نؤجر وفق سعر الصرف الرسمي؟».
قرارات التعبئة العامة، هي الأخرى، «بلّت» يدها في الشركات الواقفة على شفير الإفلاس. إذ أن قرار وزارة الداخلية بتقييد حركة سير السيارات حسب أرقام اللوحات دفعت «من تبقّى من الزبائن إلى الاشتراط علينا بأن دفع البدل يكون بحسب الأيام التي يمكنهم التجول خلالها، ناهيك عن أن مخالفتهم للقرار تحرمنا من التأمين في حال التعرّض لحوادث» بحسب دقدوق. ناهيك عن المنافسة غير المشروعة للشركات غير القانونية والأفراد الذين «يؤجّرون سيارات خاصة غير سياحية بأسعار تقلّ بنسبة 20% إلى 30%. ورغم أن شكوانا من هذا الأمر عمرها سنوات، لم يُتّخذ أيّ إجراء لوقف هذه الظاهرة، خصوصاً أن كثيرين من هؤلاء محميون سياسياً»!