اعترف موظفون موقوفون في المنشآت النفطية بقبض رشى تراوحت بين ٧٠٠ دولار و٢٥٠٠ دولار كـ«إكراميات» في ملف الفيول المغشوش. أدلوا بهذه الإفادات أمام محققي فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي بإشراف المدعي العام في جبل لبنان القاضية غادة عون. وكرر هذه الإفادات ثلاثة موقوفين استمع إلى إفادتهم قاضي التحقيق الأول نقولا منصور. كذلك أقرّوا بقبول هدايا وليرات ذهبية من ممثل شركة سوناطراك وشركة ZR energy. غير أنّ التحقيق لم يطل أياً من الرؤوس المدبّرة بعد. لم يصل إلى موظف برتبة وزير، كما لم يؤدّ إلى إيقاف مدير عام أو التمكن من الوصول إلى رئيس المنشآت بعد. الحماية السياسية هي هي. يُفتح الملف في السياسة ويُقفل فيها. ليس هناك سوى نُتف روايات مسرّبة تتحدث عن قبض الموظفين في المنشآت النفطية والمختبرات رشى وهدايا. الأدلة لم تظهر بعد. أما حجم المال الذي هُدر فلم يُكشف بعد. كذلك لم يُفضح بعد من تواطأ وقبض الملايين فعلاً. لم يُستدعَ أحدٌ من الوزراء بعد لسؤاله أو محاسبته على الإهمال حتى. لم يكن هناك سوى تحرك قضائي، قبل أن يتحوّل ملف الفيول المغشوش إلى ملف كباشٍ سياسي بين تيار المردة والتيار الوطني الحرّ. لقد أشرفت القاضية عون على تنفيذ عملية دهم لمكاتب شركة ZR energy في محلة الذوق نفّذها عناصر من فرع المعلومات، لكنّ مصادر قضائية تشير إلى أنّ الـ server الرئيسي لم يُعثر عليه، متحدثة عن احتمال تهريبه. كذلك عُثر على مئات الأوراق التي تشير إلى امتلاك صاحب الشركة، تيدي رحمة، مئات العقارات ومبالغ مالية كبيرة، ما دفع بالقاضية عون إلى طلب «نفي ملكية» لمعرفة الحجم الحقيقي للعقارات التي يملكها. كما تكشف المصادر أنّ الوجهة القضائية تتجه للتدقيق في جميع الشحنات النفطية التي جرى استيرادها منذ العام ٢٠٠٥، علماً بأنّ شركة ZR أبرمت العقد مع سوناطراك في العام ٢٠١٧، وقبلها كانت تتولى شركة البساتنة شحن النفط. أما اليوم، فلا يزال رئيس المنشآت النفطية سركيس حليس متوارياً عن الأنظار. وكذلك مالك شركة «ZR HOLDING» تيدي رحمة. وترجّح مصادر قضائية أنّ رحمة وحليس هربا إلى بنشعي للاحتماء بزعيم المردة سليمان فرنجية، مؤكدة أنّهما ليسا في منازلهما، كما أنّ هواتفهما مقفلة منذ انطلاق التحقيق، فيما عيّن قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور يوم غد موعد جلسة الاستماع لحليس. وفي هذا السياق، علمت «الأخبار» أنّ رئيس المنشآت حليس سيمثل أمام منصور غداً. هذا ما تؤكده مصادر مقرّبة من رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لـ«الأخبار»، مشيرة إلى أنّ حليس ليس لديه ما يُخفيه أو ما يخاف منه. تتحدث هذه المصادر عن معركة تصفية حسابات سياسية أُلبِست لبوس مكافحة الفساد لسلب مركز أساسي من حصة تيار المردّة. المقدمات التي تنطلق منها المصادر تبدأ من تاريخ توقيع العقد مع شركة سوناطراك عام ٢٠٠٥، لتتحدث عن تعاقب خمسة وزراء طاقة من حصة التيار الوطني الحر ووزير من حصة حزب الله، عايشوا العقد الموقّع، فلماذا لا يُستجوب هؤلاء عن قبولهم باستمرار سريان عقدٍ مشبوه بحسب ما يدّعون؟ ليس هذا فحسب، تذهب أوساط فرنجية بعيداً، متحدثة عن تواطؤ مشبوه، ومؤكدة أنّ أياً من الموقوفين لم يأتِ على ذكر ما يؤكد أنّ حليس قبض رشى. وتستغرب المصادر إصدار القاضية عون قراراً بتوقيف حليس، بينما تقرر ترك المديرة العامة للنفط أورور الفغالي المحسوبة على التيار الوطني الحر، على الرغم من إقرارها بأنها كانت تأخذ هدايا. وفي هذا السياق، تتّهم أوساط فرنجية القاضية عون بأنّها تخوض معركة سياسية للنيل من رئيس المنشآت لغايات في نفس الوزير السابق جبران باسيل. كما تتحدث المصادر نفسها عن كيدية في التعاطي مع هذا الملف، مشيرة إلى أنّ إصرار القاضية عون على توقيف تيدي رحمة على الرغم من أنّ الشركة ZR dmc التي وقّعت الاتفاق مع سوناطراك وجلبت شحنة النفط ليس مسجلة باسم رحمة، إنما باسم إبراهيم الذوق الذي يرأس مجلس إدارتها. وتعتبر المصادر نفسها أنّ هذا أكبر دليل على أنّ هناك إيعازاً سياسياً لإحضار رحمة. وترى هذه المصادر أنّ من تجب محاكمته في حال ثبوت التقصير هو شركة سوناطراك التي وقّعت العقد مع الدولة اللبنانية، مع ما يترتب من مسؤوليات عليها، وليس شركة ZR التي أبرمت عقداً جانبياً مع شركة سوناطراك لتزويدها بالنفط عند الطلب، علماً بأنّ سوناطراك عرضت إعادة النفط المغشوش واستبداله مع تحمّل كامل المسؤولية. في المقابل، تشير مصادر قضائية إلى أنّ الادعاء على شركة ZR بجرم التدخّل بالاحتيال على اعتبار أنّ الشركة الجزائرية سوناطراك لم تكن لتتمكن من الاحتيال لولا مساعدة الشركة اللبنانية، فضلاً عن وجود فيول مغشوش كان هناك نية لبيعه للدولة اللبنانية. كذلك حصلت «الأخبار» على نسخة عن تحقيق إداري داخلي لدى وزارة الطاقة والمياه في موضوع الفيول أويل الذي وصل إلى لبنان على متن الناقلة البحرية Baltic، أجرته القاضية هدى الحاج المكلفة بالاستشارات القانونية لدى وزارة الطاقة. واقترحت القاضية الحاج تعديل العقد على اعتبار وجود شائبة فيه تتمثل في أن مسؤوليتها تُرفع بعد التحميل في البلد المنشأ. ورأت القاضية الحاج أنه يجب أن تبقى المؤسسة الموردة مسؤولة عن نوعية النفط إلى حين استعماله في منشآت كهرباء لبنان. كذلك تطرق التقرير إلى أنّ الفيول المستورد من مصادر متعددة يمكن أن تنخفض جودته، وأن يُحدث ضرراً في المعامل. وقد وضعت المسؤولية على عاتق شركة سوناطراك التي يفترض أن تبقى مسؤولة عن جودة الفيول.
تجدر الإشارة إلى أنّ الملف فُتح بناءً على إخبار مقدّم من المحامي وديع عقل، علماً بأنّ الفضيحة خرجت إلى العلن بعد تلاعب في مواصفات النفط (راجع «الأخبار»، 4 نيسان 2020). لذلك أُخضعت العيّنات للفحص، لتأتي النتيجة على الشكل التالي: الفحص الذي أُجري في لبنان ومالطا زعم أنّ الشحنة مطابقة للمواصفات، إلا أنّ الشركتين المشغلتين للمعملين أرسلتا العيّنات نفسها إلى دبي، لتأتي نتيجة الفحص بأنّها غير مطابقة للمواصفات المتّفق عليها بين الدولة اللبنانية والشركة الجزائرية، وليتبيّن وجود تقرير مختبر مزوّر يفيد بأن شحنة النفط مطابقة للمواصفات، لكنها لم تكن كذلك، وأنّ هناك تلاعباً واحتيالاً في نفط مغشوش تدفع الدولة اللبنانية ثمنه على أنّه عالي الجودة.