تحوّل الاجتماع التشاوري الذي دعا إليه رئيس الجمهورية يوم الأربعاء إلى مادة للهو السياسي. لم تعد الخطة الاقتصادية التي أقرّتها الحكومة هي الحدث. «المعارضة» أخذت النقاش إلى مكان آخر. كل من أركانها تدلل، ساعياً إلى إفراغ الاجتماع من مضمونه. الأساس أنه إن كان رئيس الجمهورية يريد أن يعطي مشروع الحكومة الغطاء السياسي، فإن في المقابل من حسم أمره بمواجهة الحكومة والعهد معاً. وتحت هذا العنوان، لن تُترك فرصة من نوع الاجتماع التشاوري من دون استغلالها في الصراع السياسي الذي يحتدم يوماً بعد آخر. لكن المشكلة أن ضحالة السياسة سمحت بأن يتحول اجتماع شكلي إلى حدث أول في بلاد تغرق في مآسيها.تُقرأ مبادرة رئيس الجمهورية على أنها لزوم ما لا يلزم، بعد إقرار الخطة. ربما كانت مفيدة أكثر قبل إقرارها. هذا رأي كتلة المستقبل، أو حجتها لعدم الحضور. على الأقل كان رئيس الجمهورية، كما رئيس الحكومة، قد تخفّفا من ثقل قرار الارتهان لصندوق النقد الدولي، بحجة أن الأغلبية تريد هذه الخطوة. كان ذلك سيقلل من حدة الاستدارة التي وصلت في النهاية إلى توقيع رئيس الحكومة ووزير المالية طلب برنامج إنقاذي من الصندوق.
عدم مشاركة المستقبل في اللقاء ليس مفاجئاً. المفاجأة ستكون في مشاركته. الحريري، أو من ينوب عنه، سيكون شاهد زور على خطة أُقرّت، فكان الانسحاب. لكن المشكلة في انتقاد فكرة الاجتماع بذاتها. اجتماع رؤساء الكتل النيابية تكرر مراراً أيام كان الحريري في رئاسة الحكومة، ولم يُسمع منه اعتراض أو انزعاج. الظروف تغيّرت. اليوم، والحريري خارج السلطة، صار اجتماع كهذا في خانة الاعتداء على صلاحيات رئاسة الحكومة وعلى النظام البرلماني برمّته. تلك الفكرة نفسها التي يغزل عليها المستقبل في هذه المرحلة. كانت البداية الأوضح في بيان رؤساء الحكومة السابقين. وها هي كتلة المستقبل «تلفت الانتباه الى ممارسات وفتاوى سياسية وقانونية تتجاوز حدود الدستور، لتكرّس مفهوم النظام الرئاسي على حساب النظام الديموقراطي البرلماني».
ذلك استدعى رداً من رئاسة الجمهورية ثم رداً على الرد من المستقبل. الأول أعاد تأكيد أن الهدف من الدعوة هو الاطلاع والتشاور في مسألة تهمّ جميع اللبنانيين، بعيداً عن «تضليل المستقبل» و»منطقه الأعوج»، كما وصفت الرئاسة بيان المستقبل. الكتلة رأت أن ردّ رئاسة الجمهورية يقدم مادة إضافية للشكوك التي تحيط بالدعوة إلى الاجتماع.
خلاف على التعيينات في محافظة بيروت ومجلس الخدمة: خوري مقابل شبيب


حفلة الردود تلك لم تُلغ حقيقة أن الخطة الحكومية قد سلكت طريقها من دون أي اعتراض جدي من مختلف الكتل، إن كانت في الحكم أو في المعارضة. حتى اعتراض الحريري محدود، ويقع في إطار رفض المنظومة المصرفية لقرار إعادة هيكلتها. تدرك أن الخسائر المحققة في القطاع تفرض إعادة هيكلته، كي لا يكون الإفلاس مصيره الحتمي، لكنها تسعى لكي يكون الحمل على غيرها.
صندوق النقد لا يهمه من يتحمّل الكلفة. من يعمل مع الصندوق يدرك أن أولويته ليست الاقتراحات للخروج من الأزمة بل تشخيصها وتشخيص مسبباتها، وفق رأيه، لا وفق مصلحة لبنان. مرحلة التنفيذ تلك قد تعدّل داخلياً وخارجياً، لكن التشخيص هو محور الاهتمام. بحسب مصادر مطلعة، فإن ردود الفعل الدولية على الخطة كانت إيجابية. مسؤولون في صندوق النقد رحّبوا بجرأتها، والترحيب شمل أيضاً البنك الدولي ومصارف أميركية. الحديث هنا يطال تحديد خسائر مصرف لبنان وخسائر المصارف، ومكامن الخلل في المالية العامة، وخسائر تحديد سعر الصرف والهندسيات المالية...
من هذا المنطلق، ليس مهماً اعتراض جمعية المصارف، وليس مهماً اعتراض المستقبل على إعادة هيكلة مصرف لبنان والقطاع المصرفي. الأولوية للتشخيص، الذي يبدو أن الحكومة «نجحت في تحديده»، في نظر عاملين مع صندوق النقد.
لكن ماذا بعد؟ من المبكر الحصول على رأي الصندوق بالإجراءات المقترحة، وإن تتضمن الخطة الكثير من مطالبه. لكن إلى ذلك الحين المطلوب من قبل الصندوق إجماع سياسي يضمن التزام لبنان، بصرف النظر عمّن يحكم اليوم أو غداً، بإملاءاته.
بهذا المعنى، وبصرف النظر عن اجتماع بعبدا أو رأي الأفرقاء السياسيين بالخطة، فقد أدت الغاية منها، وصار للسلطة تشخيصها للواقع، الذي على أساسه ستبدأ التنفيذ. وهنا ليس ضرورياً ما تتضمنه الخطة من اقتراحات. الصندوق سيأخذ منها ما يناسبه ثم يفرض ما يشاء فوقها. ذلك كان سبباً في عدم إقرار تحرير سعر الصرف على سبيل المثال. لماذا تفويت الإجماع على الخطة، إن كان التحرير سيكون حتمياً، إن بقرار حكومي أو بقرار دولي؟
على صعيد آخر، يجري البحث في إمكان تعيين محافظ لبلدية بيروت، خلفاً لزياد شبيب الذي انتهت فترة انتدابه من القضاء الإداري، إضافة إلى تعيين رئيس مجلس الخدمة المدنية. ويجري إعداد طبخة التعيين وفق المعتاد: محاصصة سياسية - طائفية. رئيس الجمهورية يريد التجديد لشبيب، على قاعدة نقله من ملاك القضاء إلى الملاك الإداري. هذا التوجه يعارضه رئيس الحكومة حسان دياب، ووزير الداخلية محمد فهمي. دياب يقترح تعيين مستشارته بترا خوري خلفاً لشبيب. وفي رئاسة مجلس الخدمة المدنية، يريد عون تعيين أحمد عويدات. وبحسب معلومات «الأخبار»، لن يقبل دياب تعيين عويدات إذا لم تُعيّن خوري محافظة لبيروت.
متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة أُدخل، كالعادة، على خط التعيين في المحافظة. وسيرعى اليوم اجتماعاً يضم النواب الأرثوذكس وبعض الشخصيات السياسية للبحث في التعيينات. وبحسب مصادر مطلعة، فإن هدف الاجتماع الرئيسي يتمحور حول اتخاذ قرار حاسم بشأن التمديد لشبيب أو عدمه، خصوصاً أن المطران «يرفض الحملة التي تستهدف شبيب، والتي يقوم بها بعض أعضاء بلدية بيروت لأسباب شخصية، من بينها الخلاف الناشب بينه وبين رئيس البلدية جمال عيتاني حول الصلاحيات». في اللقاء الأخير بين عودة وفهمي، عبّر الأخير عن رفض الحكومة التمديد لأي موظف. لم يُبدِ المطران أي اعتراض، رافضاً في الوقت نفسه ما يصفه المقرّبون منه «التعدي على صلاحيات أبناء الطائفة وفرض مرشحين عليها». وسأل عودة وزير الداخلية عمّا إذا كان يملك أيّ ملف فساد يدين شبيب، فنفى فهمي الأمر. فقال عودة، وفقاً للمصادر: «إذا كان المحافظ مخالفاً ينبغي مقاضاته ومحاسبته وصولاً الى إدخاله السجن عوضاً عن الاكتفاء بتغييره أو تعيينه في موقع آخر».
من جهة أخرى، نفذ متظاهرون اعتصاماً أمام وزارة الداخلية قبل يومين، للمطالبة بتغيير شبيب ورفض «التمديد له»، متّهمين إياه بالتورط في ملفات فساد أبرزها «منح صاحب منتجع الإيدين باي رخصة بناء غير مستوفية للشروط».