منذ بداية تفشي فيروس «كوفيد 19»، سارعت دول العالم إلى إنتاج فحوصات مِخبرية للكشف عن الإصابة لدى البشر، قبل أن تجد نفسها، وأمام عدم وجود علاج للوباء الجديد، مُضطرة إلى إلزام المواطنين بالبقاء في منازلهم.الهدف من هذا الإجراء الذي وضع على عجل، هو شراء الوقت لإنقاذ أرواح السكان، وإن على حساب الاقتصاد، بالتزامن مع القيام بفحوصات مِخبرية لتحديد المصابين وعزلهم، وتتبّع من تواصل معهم بغية الحدّ من التفشي.
بدت النتيجة مقبولة كتكتيك دفاعي في المرحلة الأولى لإبطاء تدحرج كرة الثلج، لكن مع الوقت بدأت الدول تكتشف أنّ عدداً لا يُستهان به من الناس إمّا أصيبوا وشفوا من دون ظهور أي عوارض وأصبحوا محصّنين ضد الفيروس، أو هم مصابين حاليّاً (وأيضاً من دون عوارض) لكن ناقلين للعدوى. وَقْعُ هذا الاكتشاف كان «مُدمّراً» على خطط الحجر المنزلي، إذ يمكن لمصاب واحد من دون عوارض وغائب عن رادارات الفرق الطبية، أن يُعيد سكان دولة ما إلى النقطة الصفر.
اليوم، اقتصادات الدول كافة مٌتعبة، والخوف على الناس من الإصابة يمنع عجلة الإنتاج من العودة إلى سابق عهدها، فأصبحت السلطات أمام تساؤل كبير: كيف نضمن خروج الناس إلى العمل من دون أن يصبحوا وقوداً يٌشعل انتشار الفيروس مجدداً؟
أسهم هذا السؤال في توجيه أنظار العالم اليوم نحو اختبار طبّي من نوع آخر. فبدلاً من فحص الإصابة بالفيروس نفسه، يفحص الجهاز الجديد وجود أجسام مضادة (Antibodies) خلقها الجهاز المناعي البشري ضد الفيروس. الجهاز شبيه بأداة فحص مستوى السكّر في الدم، ويُستخدم عبر وخز أحد أصابع اليد ليكشف إن كان دم الشخص فيه أجسام مضادة للفيروس أو لا. يُراد من هذا الفحص منح الأفراد المٌحصّنين من الفيروس «جواز سفر» مناعي، ما يسمح للدول بـ«إطلاق سراح» السكّان «المحميّين» من الإصابة، والسماح لهم بالتنقّل والعودة إلى مزاولة أعمالهم، ما يعني عودة الحياة ولو بشكل جزئي ريثما يتم إيجاد علاج أو لقاح فعّال، فيما يبقى الحجر الإلزامي مفروضاً على الآخرين.
نظرياً، من الممكن أن تُعدّ هذه الفكرة جيدة، وقد تكون «شعاع الضوء» في آخر النفق المظلم. لكن بعد التدقيق في التقارير الصادرة عن فعالية تلك المعدات، تبيّن أنّ الغالبية العظمى منها، والتي بيعت للدول، تحوي عيوباً تصنيعية. يقول الرئيس التنفيذي لـ«روش» (إحدى أكبر الشركات المصنعة للأدوية والمعدات الطبية)، سيفيرين شوان، إنّ «الحالة الحالية لاختبار الأجسام المضادة لـ كوفيد- 19 كارثية، لأنّه يدخل عدد كبير من الاختبارات غير الدقيقة إلى السوق، مدفوعة بالطلب المرتفع للغاية». وأضاف أنّ «شركة روش قامت بتحليل العديد من المنتجات الموجودة حالياً في السوق ووجدتها غير موثوقة»، مُنهياً حديثه إلى وكالة «رويترز» بأنّ شركته تقوم بتصنيع أجهزة «مشابهة فعّالة، وسيتم إطلاقها في الأول من شهر أيار المقبل».
استوردت المملكة المتحدة 3.5 ملايين فحص للأجسام المضادة ليتبيّن فشلها


في تقرير علمي نشرته مجلة «نايتشر»، كُتب أنّ بريطانيا استوردت في أواخر آذار 3.5 ملايين فحص للأجسام المضادة، ومن شركات عديدة، لتكتشف لاحقاً أنّ أياً من هذه الاختبارات لم يكن أداؤه جيداً بما فيه الكفاية، علماً بأنّ رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، كان قد وصف الاختبارات بأنّها «ستُغيّر قواعد اللعبة». وبحسب التقرير نفسه، يقول ديفيد سميث، وهو عالِم بدراسة الفيروسات في جامعة غرب أستراليا في «بيرث»، إنّ الهدف الأساسي لتلك الفحوصات «هو فحص العاملين في المرافق الصحية والتأكّد مما إذا كانوا مُعرّضين لخطر الإصابة في المستقبل، كما سيُساعد الفحص على تقييم اللقاحات التي يتم صنعها اليوم، إن كانت فعلاً تُعزّز المناعة لدى الناس أو لا». ويضيف التقرير أنّه حتى إذا كانت الاختبارات موثوقة، لا يمكن التأكد مما إذا كان أحدهم مُحصناً من الإصابة مرة أخرى! في حين أنّ عضو فريق مكافحة «كورونا» في الولايات المتحدة، ديبره بيركس، قالت لشبكة «سي أن أن» إنّ من غير المؤكد حتى الساعة «كم من الوقت ستبقى الأجسام المضادة لفيروس كورونا في جسم الإنسان. قد تبقى لـ6 أشهر أو 6 سنوات، لا نعلم ذلك بعد».