كثيرة هي العروض التي سبق أن استقبلها مسرح قصر الأونيسكو، لكنه لم يستقب كـ«عرض» اليوم. فيروس كورونا حمل النواب من حصنهم المنيع في ساحة النجمة إلى القاعة التي تتسع لنحو ألف شخص. هناك سيتوزع نحو ١٠٠ نائب، محافظين على التباعد الجسدي، بعد يخضعوا للتعقيم الآلي عند المدخل.الأحاديث الجانبية لن تكون ممكنةن والكلام بالنظام سيكون صعباً تقنياً. لا يوجد ميكروفون أمام كل نائب كما في القاعة العامة، وسيتولى نحو ١٠ موظفين مهمة نقل الميكروفون إلى طالبي الكلام.
هذه المرة لن يخشى النواب ملاحقتهم من المتظاهرين. سيتفيأون ظل كورونا للمشاركة في الجلسة، غير خائفين من الاعتراضات الشعبية، التي انكفأت بسبب انتشار الفيروس والحجر المنزلي، رغم أن عدداً من المجموعات دعا إلى مسيرة سيارة في محيط انعقاد الجلسة.
التئام المجلس يؤكد انفصاله عن الواقع. فبعد مرور ما يزيد على ستة أشهر على تفجّر أزمة مالية واقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، يناقش اليوم جدول أعمال مؤلفا من ٦٦ بنداً، أقل ما يقال فيه إنه لا يتلمّس حجم المأساة التي يعاني منها اللبنانيون ولا يقدم أي مقاربة جدية للخروج منها. وإذا كانت المصارف تذلّ الناس منذ ما قبل ١٧ تشرين الأول متحدية كل القوانين، من دون أن تجد في الحكومة من يوقفها عند حدها، فإن المجلس لم يكن أفضل. كالنعامة يتناول الملفات الراهنة. اقتراحات خجولة لتخفيض الفائدة أو لتأجيل سداد الرسوم والضرائب، ستناقش اليوم، لكن لا بنود تطال جوهر الأزمة أو مسبباتها أو نتائجها. فيما اقتراحات أخرى تتلمس طريق الإصلاح والمحاسبة، كذاك المقدم من النائب حسن فضل الله لرفع الحصانة عن الموظفين عند ارتكابهم جرماً ناشئاً عن الوظيفة، أو الاقتراح المقدم منه ومن النائب هاني قبيسي لرفع الحصانة عن الوزراء الحاليين والسابقين في ملاحقتهم بدعوى فساد أو هدر مال عام، أو الاقتراح المقدّم من النائب ميشال ضاهر لرفع السرية المصرفية عن كل الحسابات منذ العام ١٩٩١.
تلك اقتراحات قد تكون ضرورية وقد تكون تأخرت كثيراً، لكن مع ذلك فإن الجلسة ببنودها الـ٦٦ تحيد عن مواجهة أسباب الانهيار أو مواجهة الجوع الذي يزحف بين الناس.
حتى اقتراح قانون العفو العام، الذي يفترض أنه ملح، وينهي معاناة آلاف العائلات، يقدم من دون دراسة، عبر اقتراحين، لا يتضمنان أي أسباب موجبة واقعية، كما لا يوضّحان النتائج المرجوة منهما. لو كان الهدف إنسانيا - حقوقيا، لكان بالإمكان مناقشته في اللجان، بشكل علمي، لكن الاقتراح الذي تقدّم به النائبان ياسين جابر وميشال موسى في تشرين الثاني الماضي، ولم يناقش بسبب تأجيل الجلسة حينها، ظل حبيس الأدراج قبل أن يليه اقتراح ثان من النائبة بهية الحريري، تقف خلفه السياسة قبل الحقوق.
قانون زراعة الحشيشة لغايات طبية سيتحول اليوم إلى حقيقة. وكذلك سيقر اتفاقية قرض مع البنك الدولي، بقيمة ١٢٠ مليون دولار، كانت مخصصة لدعم مراكز الرعاية الصحية الاولية، قبل اقتطاع ٤٠ مليون دولار منها لدعم المستشفيات الحكومية. ومن خارج جدول الأعمال، يتوقع إقرار اعتماد بقيمة ٤٥٠ مليار ليرة للمستشفيات (اعتمادات مدورة من ٢٠١٩). ولم يعرف إذا كان سيطرح رئيس المجلس المشروع الذي أقرته الحكومة لاستدانة ١٢٠٠ مليار ليرة لدعم الصناعة.
كل ذلك يبقى على هامش الأزمة. وحجة أن هذه مهمة الحكومة لا تعفي المجلس من مسؤوليته، إن لم يكن في المبادرة إلى إقرار قوانين تتصدى لها، فأقله لمساءلة الحكومة. من يرفض الهيركات والكابيتال كونترول عليه أن يبادر إلى اقتراحات جدية، تؤدي إلى استعادة ما سرق من المال العام ومحاسبة السارقين، وليس عرض مجموعة كبيرة من مشاريع واقتراحات القوانين، تعود إلى ما قبل الزمن الحالي.
مشاريع واقتراحات قوانين تعود إلى ما قبل الزمن الحالي


لكن مع ذلك، تناقش اللجنة الوزارية لمكافحة الفساد، اليوم، سبعة اقتراحات تقدمت بها وزيرة العدل ماري كلود نجم، وإذا أقرَّت، فإنها ستعرض على مجلس الوزراء في الجلسة المقبلة. لا توقعات كبيرة في استرداد الأموال المسروقة، فضلاً عن ان هذه الاقتراحات لا تمس أصل العلل في النظام اللبناني، كالسرية المصرفية، على سبيل المثال. أما هذه الاقتراحات فهي:
- التحقيق الضريبي الداخلي: يطال جميع الأشخاص الطبيعيين والمعنويين الذين أجروا مع الدولة اللبنانيّة أو المؤسسات العامّة أو البلديّات عقودًا أو التزامات بدءًا من أعلى العقود قيمةً و بدءًا بالسنوات الخمس الأخيرة رجوعًا الى تاريخ انتهاء الحرب الأهليّة.
- التحقيق الضريبي الخارجي: اتّخاذ الإجراءات التقنيّة اللازمة لتبادل المعلومات الضريبيّة بشكل تلقائي استنادًا الى اتفاقية «التعاون التقني في المجال الضريبي« (MAC) و اتفاقيّة «السلطات المختصّة» (MCAA) .
- التحقيق المحاسبي (Forensic Audit): التدقيق في جميع العقود، من أي نوع كان (مناقصة، التزام، اتفاق بالتراضي... إلخ)، التي أجرتها الدولة توصّلاً الى تحديد مكامن الغش والهدر في المال العام.
- تطبيق المادّة ٤ من قانون الإثراء غير المشروع: تنظيم لوائح بأسماء الوزراء والنواب والموظّفين، والتحقّق من تقديم التصاريح عن الذمّة الماليّة عند تولّي المهام العامّة وبعد الإنتهاء منها، وإحالة المخالفين الى الملاحقة من قبل القضاء المختص.
- تطبيق المادة ١٢ من قانون الإثراء غير المشروع: استقصاءات و تحريّات حول الشخصيّات التي شغلت أو تشغل مناصب وزاريّة ونيابيّة وقضائيّة ووظائف فئة أولى خلال السنوات الخمس الأخيرة (كمرحلة أولى) والتي ظهرت عليها مظاهر ثراء لا تتّفق مع مداخليها الشرعيّة من دون المساس بأحكام قانون السريّة المصرفيّة.
- تطبيق المادة الخامسة من قانون السرية المصرفيّة: إدراج نصّ خاص في دفتر الشروط يرفع السريّة عن الحساب المصرفي الذي يودع فيه أو ينتقل إليه المال العام وذلك لمصلحة الإدارة في كل عقد من أي نوع كان.
- الرقابة المؤخرة لديوان المحاسبة: حثّ ديوان المحاسبة على إعطاء الأولويّة لإنجاز هذه الرقابة بالنسبة للعقود والتلزيمات بدءًا من الأعلى قيمةً والتدرّج نزولاً إلى جميع العقود و التلزيمات. والتشدّد في إعطاء براءة الذمّة بعد مطابقة المستندات والفواتير مع القيود المصرفيّة.