في كلّ مرة كانت فيها وزارة الصحة تعلن عن أعداد المُصابين بفيروس كورونا، كانت تحرص على طلب «عدم التكتّم عن الإعلان عن أي حالات اشتباه أو إصابة»، إيماناً منها، ربما، بالعوامل المُجتمعية التي تستحيل عائقاً أمام لجوء كثيرين الى «الإفصاح».قبل أيام، اشتبهت إحدى السيدات المُقيمات في بلدة بلاط (قضاء جبيل) بإصابتها بالفيروس، فلجأت إلى مُستشفى المعونات، حيث أُعلمت بأن نتائج الفحوصات المخبرية إيجابية، وأنها مُصابة بمرض «كوفيد-19» الذي يتسبب به الفيروس. وعليه، خضع أفراد أسرتها للفحوصات المخبرية التي أتت نتيجتها سلبية، «ما أثار فضولنا»، على حدّ تعبير زوج السيدة الذي قال لـ«الأخبار» إنه طلب من البلدية تعقيم منزله واتخاذ الإجراءات اللازمة. ونظراً الى ما تتطلبّه «آلية» التعامل مع المُصابين بالوباء، حضرت شرطة البلدية الى منزل السيدة لمواكبة عملية الحجر ونقلها إلى مُستشفى رفيق الحريري الحكومي. وهؤلاء، وفق رواية زوج السيدة، طرحوا الكثير من الأسئلة «المنطقية» التي تأتي في سياق إعداد أي تقرير يرفق بالحالات المماثلة كمعلومات عن الأشخاص المخالطين لها والأماكن التي ارتادتها وغيرها، فضلاً عن تصوير أجزاء من المنزل، «لنُفاجأ في اليوم التالي بنشر معلومات شخصية كأرقام هواتفنا وبعض الصور لمنزلنا على عدد من المواقع الإلكترونية».
بعدها، بدأت السيدة وعائلتها تتلقيان اتصالات من «مجهولين» ومن مؤسسات عدة في المنطقة تسأل عن مواعيد ومواقيت ارتيادها لبعض الأماكن. إلّا أن الأخطر «هو الاستثمار الطائفي للحادثة واتهام زوجتي بأنها تعمّدت نشر الفيروس في أماكن دون أخرى واللعب على الوتر الحساس في هذه المنطقة المختلطة».
بعدما أتت نتيجة الفحص في «المعونات» إيجابية، تبيّن أن المشتبه بإصابتها سليمة


بحسب المعطيات، فإنّ رئيس بلدية بلاط عبدو العتيق تواصل مع السيدة وعائلتها، وأكّد أن البلدية لم تعمد إلى نشر أي معلومات شخصية ولم تساهم في عملية «التشهير»، لافتاً الى أن «أحداً ما» سرّب المحضر وأن البلدية تعمل على كشف المُسرّب. «الأخبار» حاولت التواصل مع عتيق، إلا أنه لم يردّ على اتصالاتها المتكررة.
المُفارقة أن نتائج الفحوصات التي أجريت للسيدة في مُستشفى رفيق الحريري الجامعي أتت سلبية (مرتين)، وتم إخراجها إلى المنزل، وهو ما يطرح تساؤلات بشأن دقة الفحوصات المخبرية التي تجرى في المُستشفيات والمختبرات بشكل عام.
ولئن كان تخوّف المُحيط من المُصاب «مُبرّراً» لجهة معرفة الأشخاص الذين خالطهم، فإنّ الوعي والحذر في التعامل مع «المُشتبه بهم» يبقى الأهم في المعركة الراهنة. فكيف يُمكن التشجيع على التصريح بالإصابات في ظلّ تشريع انتهاك الخصوصيات وتعمّد الأذى النفسي للمُشتبه بهم أو المُصابين، وفي ظلّ خفةّ تعاطي بعض وسائل الإعلام مع أخبار الإصابات واستثمارها في اعتبارات سطحية.
مصادر في وزارة الصحة قالت في اتصال مع «الأخبار» إن «الوعي المجتمعي هو أبرز العوامل الحساسة التي لها تأثير على مسار مواجهة الفيروس، فالاحتضان والتفهم والخوف المُنضبط هو المطلوب، فيما الانفعالية والتصرف بغير عقلانية يعزّزان الخوف من الإفصاح تجنباً للنبذ وكأن المرض بات مدعاة خجل، وهو أمر لمسناه في عدد من الأقضية».