إذا كنت عميلاً لدى مصرف الاعتماد اللبناني - مثلاً - ولديك حساب توطين لمعاش التقاعد، لن تحصل على بطاقةٍ للسحب الالكتروني. الأمر تبلّغته بالفعل إحدى زبائن المصرف المذكور، حين طلبت إصدار بطاقة لاستخدام الصرّاف الآلي. رُفض طلبها في وقت قرّرت المصارف إجراءات جديدة في فترة «التعبئة العامة»، بحصر عمليات السحب النقدي بواسطة أجهزة الصرّاف الآلي. تدّعي المصارف أنّها بذلك، تُخفّض الاحتكاك المُباشر بين الموظفين والمواطنين إلى الحدود الدنيا، لمنع تفشّي وباء «كورونا». أما الصناديق فلن تُفتح أمام الزبائن إلا بناءً على موعد مُسبق، وتُخصّص لاستقبال ممثلي الشركات وتنفيذ عمليات ضرورية والتحويلات المالية إلى الخارج!المشهد يُشبه كثيراً سيناريو 17 تشرين الأول، حين استغلّت المصارف اللبنانية الانتفاضة الشعبية لـ«تهرب» من طلبات العملاء الحصول على ودائعهم وأغلقت فروعها، لكن هذه المرّة عبر التستر خلف «سلامة الموظفين». تأمين ظروف العمل لهؤلاء، واجب على المؤسسات لا شكّ، ويُمكن أن يتمّ من دون التعارض مع «واجب» تأمين حقوق المواطنين، ولا سيّما في الظروف الاستثنائية وحاجتهم إلى السيولة، بعد أن التزم أغلبهم منازلهم منذ أكثر من أسبوعين. إجراءات الحماية المُمكن أن تُطبقها المصارف مُتنوّعة، وهناك نماذج عدّة عنها في الصيدليات والمخابز والسوبرماركت وغيرها من المؤسسات التي لم تُقفل. ولكنّ للمصارف «باب طوارئ» آخر، تُزكّيه على ما عداه في كل مرّة، مُصرّة على وضع نفسها في مواجهة الفئة الأكبر من المودعين.
فحين تُحوّل الرواتب إلى المصارف الأسبوع المقبل، كيف ستتمكن صاحبة معاش التقاعد من سحب مالها؟ والعملاء الذين لا يملكون بطاقات الكترونية، وتُلامس نسبتهم في بعض المصارف حدود الـ40٪، من أين يحصلون على النقد إذا كانوا غير قادرين على الوصول إلى مدّخراتهم ورواتبهم؟ ومن لا يملك سوى حساب بالدولار، لماذا سيُفرض عليه أن يسحب من الصرّاف الآلي بالليرة وفق السعر الرسمي، مع ما يعنيه ذلك من خسارة لقيمة راتبه تكاد تصل إلى 50 في المئة، أو أن عليه تدبّر أمور حياته من دون مال؟ هي أزمة من نوعٍ آخر، تُضاف إلى «اللائحة» في العلاقة بين المواطن والمصارف. هذه الأخيرة، كانت تتحضّر لإقفال تامّ طيلة فترة مكافحة «كورونا» (كما كشف بيان جمعية المصارف الذي تسرّب بالتوقيت الخطأ، مُفترضاً قبل اجتماع مجلس الوزراء يوم 15 آذار أنّه سيتم إعلان حالة طوارئ)، وبالتالي أدركت عن سابق تصوّر وتصميم أنّ العديد من المواطنين سيكونون في وضع اقتصادي ومالي صعب. لماذا لم تعمد إلى إصدار بطاقات لكلّ المودعين، فتحلّ هذه الإشكالية؟
الجواب العلني المُعمّم لدى أغلبية البنوك، هو البيان نفسه الذي أصدرته جمعية المصارف «بمواصلة تأمين الخدمات المصرفيّة الأساسيّة لعملائها، سواء لجهة عمليات السحب النقدي (وبالليرة اللبنانية فقط) بواسطة أجهزة الصرّاف الآلي أم لجهة تنفيذ العمليّات التجاريّة الملحّة المتعلّقة بالأمن الغذائي والمستلزمات الطبيّة، أم لجهة تحويل الهبات والتبرّعات المالية المقدّمة من العملاء للجهات الرسميّة أو الخاصة المستفيدة في إطار التكافل الوطني لمواجهة حالة الطوارئ الصحيّة الناجمة عن انتشار وباء الكورونا». ويُضيف أحد أعضاء «الجمعية» بأنّ كلّ المصارف «التزمت بما اتفقنا عليه بأن يتمّ تلقي الشكاوى والطلبات، وإصدار البطاقات الجديدة وتسليمها خلال يومَي عمل». مع إشارته إلى أنّه خلال إقفال المصارف في تشرين الأول الماضي، عمدت غالبية المصارف إلى إصدار بطاقات الكترونية لكلّ أصحاب حسابات التوطين». وقد بلغ عدد البطاقات الالكترونية (Debit Card)، والتي إجمالاً تكون لحسابات التوطين، حدود المليون و850 ألف بطاقة، لسنة 2019.
تُلامس نسبة من لا يملكون بطاقة الكترونية في بعض المصارف حدود الـ40٪


لا يُمكن التعويل كثيراً على «تأكيدات» جمعية المصارف، بسبب تجربة تشرين الأول، والتجارب السابقة، التي رسّخت أنّ كلّ مصرف يُطبّق الإجراءات المُناسبة لملاءته وسيولته وأرباح مُستثمريه وكبار مودعيه، بمعزلٍ عن «المصلحة العامة» وبطريقة استنسابية. وتستفيد هذه المؤسسات من غياب أي رقابة حقيقية على عملها، أو محاسبة. تواصلت «الأخبار» مع عدد من المصارف المُصنّفة «ألفا»، وأكدت جميعها أنّه «بإمكان المودعين الاتصال على الخطوط الساخنة، لإحالة الملف على القسم المعني، وتلبية الطلبات». ولكن هل من يضمن، ولا سيّما أنّ بعضها، كـ«بيبلوس» تقول مصادره بأنّه «ما زلنا ندرس الإجراء الأنسب الذي يُمكن اتخاذه»؟ وتعي هذه المصادر وجود إشكالية ثانية قد يعتبرها البعض «بسيطة»، فيما هي على درجة عالية من الأهمية لدى من يواجهها، «وهي أنّ الصرّاف الآلي لا يُعطي الكسور، وهنا سيُطالب البعض بالحصول على كامل الراتب». ما الحلّ إذاً؟ الصندوق مُقفل والسقوف المُحدّدة لعمليات السحب من الصرّاف الآلي لن تتبدّل! «إنّ السقوف المُحددة لدينا مناسبة لتلبية حاجات عملائنا وتقتصر حالياً على السحب بالليرة اللبنانية»، كما يقولون في بنك البحر المتوسط. من جهة بنك عودة، فهو أيضاً لن يستقبل العملاء «العاديين»، ولكنّه يقول إنّ «بإمكان الزبائن، حتى الذين لا يملكون بطاقة الكترونية، التوجّه إلى أجهزة الصراف التفاعلية (ITM) وقبض المال، والتي ستُقدم المال بالدولار أيضاً».
لماذا لا تُضخّ الدولارات في كلّ أجهزة الصرّاف الآلي؟ «المشكلة الأساسية في الأوراق النقدية بالدولار حالياً أنّها لا تصل إلى المصارف بسبب توقّف الرحلات وإقفال المطار، وبالتالي لا يُمكن تزويد الآلات بها»، بحسب عضو في جمعية المصارف، الذي تغاضى عن أنّ إغلاق مطار رفيق الحريري الدولي تمّ قبل أسبوعين، فيما المودعون يُعانون من «تقنين» في الحصول على دولاراتهم منذ أكثر من خمسة أشهر.